... وقد حفل معظم خلفاء بني العباس بالعلم، وأولوه عنايتهم، وقربوا العلماء، وأعلوا منازلهم، كالخليفة المهدي، فإنه أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين(١).
... وهارون الرشيد الذي أحال بغداد قِبلة لطلاب العلم، يرحلون إليها من مختلف الأمصار، لإتمام ما ابتدؤوه من العلوم والفنون، فكانت بمثابة مدرسة عليا لطلاب العلوم الشرعية والعربية، وكان فيها كبار المفسرين، والقراء، والمحدثين، والفقهاء، والنحويين، وحفَّاظ اللغة وآداب العرب، وقلّما يتمّ لطالب علم وصف عالم، أو فقيه، أو محدّث، إلا إذا رحل إلى بغداد وأخذ عن علمائها(٢).
... وكان اهتمام الخلفاء كالرشيد، والمأمون، بالعلم والعلماء أبلغ الأثر في نهضة العلم في أرجاء الخلافة الإسلامية كافة.
... وقد كان عهد المأمون من أرقى عهود العلم في عصر الدولة العباسية، ولعل أبرز ما ساعد على ذلك أمران:
... الأول: اشتغال الخليفة نفسه بالعلم وطلبه منذ صغره، فلقد جالس العلماء وأخذ عنهم التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، حتى إن أبا عبيد عندما ألَّف كتابه (غريب الحديث) قرأه عليه، فأعجب به إعجاباً كبيراً(٣).
... الثاني: نبوغ أعداد كبيرة من العلماء آنذاك في مختلف العلوم، فقد ظهر في أرجاء الولايات الإسلامية عدد من كبار الحفاظ والعلماء والأئمة، كالإمام أحمد(٤)،

(١) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص ٢٤١ - ٢٥٢.
(٢) انظر: محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية (الدولة العباسية) لمحمد الحضر بك: ص ١٣٥.
(٣) انظر: المرجع السابق.
(٤) هو: أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبدالله، إمام المسلمين في عصره علماً وعملاً، بلغت شهرته الآفاق وخصوصاً بعد موقفه من محنة القول بخلق القرآن، توفي سنة (٢٤١هـ).
... انظر ترجمته: السير للذهبي: ١١/١٧٧. والمنهج الأحمد للعليمي: ١/٦٩.


الصفحة التالية
Icon