... أحدها: أن يتمنى الإنسان أن يحصل له مال غيره، ويزول عن الغير، فهذا الحسد وهو المنهي عنه في الآية، وفي قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النساء: ٥٤]، وهو الذي أشار إليه أبو عُبيد بقوله: لا تتمنى مال جارك ولا امرأة جارك.
... الثاني: أن يتمنّى مثل ما لغيره، ولا يحب زواله عن الغير، فهذا هو الغبطة، والجمهور على جوازه(١).
... الثالث: أن تتمنّى المرأة أن تكون رجلاً، ونحو هذا مما لا يقع، فليعلم العبد أن الله أعلم بالمصالح، فليرضى بقضاء الله، ولتكن أمانيه الزيادة من عمل الآخرة(٢).
النتيجة:
... ما تقدم من قول لأبي عبيد في دفع موهم التعارض هو المسلك الذي سلكه كثير من أهل العلم، وهو أن الآية من العام الذي أريد به الخصوص، فهي عامة في نهي الإنسان عن تمني ما فضل الله به غيره عليه، لكن أريد بها النهي عن الحسد المذموم خصوصاً، وهو الحسد الحقيقي، دون النهي عن الحسد المرادف للغبطة بدليل ما جاء في السنة من جواز الغبطة والحض عليها، ومن ذلك الحديث الذي مرّ سابقاً (لا حسد إلا في اثنتين...).
... فإذا كان النهي عن التمني في الآية يراد به حالة واحدة من أحوال التمني وهي الحسد الحقيقي، فالحديث يحمل على حالة أخرى وهي الغبطة، فلا تعارض بين الآية والحديث.
(٢) انظر هذه التقسيمات في: زاد المسير لابن الجوزي: ص ٢٧٩، وشرح مشكل الآثار للطحاوي: ١/٤٠٢، وأحكام القرآن للجصاص: ٣/١٤٢، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي: ٢/٤٤٥، وتحفة الأحوذي للمباركفوري: ٦/١٦.