... وبعد اتصال أبي عبيد بعبدالله بن طاهر في بغداد رحل منها إلى مصر والشام راغباً في الاستزادة من طلب العلم ولقاء العلماء الذين لم يلقاهم في رحلاته الأولى، فسافر بصحبة يحيى بن معين(١)، فقدم مصر سنة (٢١٣هـ) فطلب العلم فيها، ثم قدم دمشق سنة (٢١٤هـ) فسمع من شيوخها وحدّث عنهم(٢).
... ثم قدم إلى بغداد مرة أخرى، ومنها خرج إلى مكة حاجّاً سنة (٢١٩هـ)، وبعد إتمامه الحج توجه إلى المدينة زائراً، ثم عاد بعد زيارته للمدينة إلى مكة، وبقي فيها إلى أن توفاه الله عز وجل(٣).
... وكان شأن أبي عبيد في سائر تنقلاته ورحلاته شأن العلماء في أسفارهم من الاستزادة من العلم، وإفادة غيرهم مما عندهم، والحرص على لقاء العلماء والسماع منهم.
*... *... *
المطلب الرابع
شيوخه وتلاميذه

(١) هو: يحيى بن معين المري البغدادي، أبو زكريا، إمام الجرح والتعديل، توفي سنة (٢٣٣هـ).
... انظر ترجمته: الكاشف للذهبي: ٢/٣٧٦. وتهذيب التهذيب لابن حجر: ١١/٢٤٦.
(٢) انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر: ١٤/٣١٩.
(٣) رُوي عن علي بن عبدالعزيز البغوي (أخص تلاميذ أبي عبيد وأجلّ أصحابه) أنه قال: قدم أبو عبيد مكة حاجّاً، فلما قضى حجه وأراد الانصراف أكْرَى إلى العراق ليخرج صبيحة الغد، قال أبو عبيد: (فرأيت النبي ﷺ في رؤياي وهو جالس، وعلى رأسه قوم يحجبونه، والناس يدخلون عليه، ويسلّمون عليه، ويصافحونه، قال: فلما دنوت أدخل مع الناس مُنعتُ، فقلت لهم: لم لا تخلوا بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا لي: والله لا تدخل ولا تسلم عليه، وأنت غداً خارج إلى العراق، قال: فقلت لهم: إني لا أخرج إذاً، فأخذوا عهدي، ثم خلوا بيني وبين النبي ﷺ فدخلت وسلمت وصافحت).
... قال علي: فلما أصبح أبو عبيد فسخ كريه، وسكن مكة حتى توفي بها ودفن فيها.
... انظر: طبقات النحويين للزبيدي: ص ٢٠٠، وإنباه الرواة للقفطي: ٣/٢١، ومعجم الأدباء للحموي: ١٦/٢٥٦.


الصفحة التالية
Icon