... وكان - رحمه الله - جمَّ الأدب مع شيوخه حتى إنه قال: (ما أتيت عالماً قط فاستأذنت عليه، ولكن صبرت حتى يخرج إليّ، وتأوَّلت قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [الحجرات: ٥](١).
... ومن أمانته العلمية ما رواه عنه تلميذه عباس بن محمد الدوري قال: (سمعت أبا عبيد يقول: من شكر العلم أن تستفيد الشيء، فإذا ذُكر لك قلت: خَفِيَ عليَّ كذا وكذا، ولم يكن لي به علم حتى أفادني فيه كذا وكذا، فهذا شكر العلم)(٢).
... وعلى ذلك فإن أبا عبيد قد بلغ درجة القبول التام عند الكل، ولم يختلف اثنان في إمامته، شهد له بذلك أئمة الدنيا الذين يُقتدى بهم رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.
*... *... *
المطلب الثامن
آثاره العلمية
... ترك أبو عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - خَلْفه ثروة علمية كبيرة من المؤلفات في القرآن الكريم، والحديث، والعقيدة، والفقه، واللغة، والأمثال، والأنساب، وهي في جملتها أكثر من ثلاثين مصنّفاً، ذُكر معظمها في كتب التراجم والطبقات.
... فقد كانت حياته حافلة بالعلم تعلّماً وتعليماً، وتأليفاً، وقد نال درجة القبول التام عند الكل، وأصبحت مصنّفاته مرضيَّة عند العلماء، وسارت بها الركبان، لما له من مكانة علمية عالية، ولما لمصنفاته من جودة وإتقان.
... يقول الذهبي: (صنّف التصانيف المونقة التي سارت بها الركبان) (٣).
ومصنفاته هي:
١ - الأحداث(٤).
٢ - آداب الإسلام(٥).

(١) انظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ١٢/٤٠٧.
(٢) انظر: المزهر في علوم اللغة للسيوطي: ٢/٤١٠.
(٣) السير للذهبي: ١٠/٤٩١.
(٤) ذُكر في الفهرست لابن النديم: ص ١١٢، وإنباه الرواة للقفطي: ٣/٢٢، ومعجم الأدباء للحموي: ١٦/٢٦٠، ووفيات الأعيان لابن خلكان: ٤/٦٣، وكشف الظنون لحاجي خليفة: ٢/١٣٨٥.
(٥) ذكره أبو الحجاج البلوي في كتابه (ألف باء): ٢/٢٧، وانظر: تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: ٢/١٥٩.


الصفحة التالية
Icon