ذهب فريق آخر إلى أنه يجب الأخذ به والرجوع إليه، لظن سماعهم له من رسول الله - ﷺ - ولأنهم إن فسروا برأيهم فرأيهم أصوب، ولأنهم أدرى الناس بكتاب الله إذ هم أهل اللسان ولبركة الصحبة والتخلق بأخلاق النبوة.
وهوقول الإمام الشافعي في القديم ونقل عن الإمام مالك وأكثر الحنفية.
ومن كلام الإمام الشافعي في القديم لما ذكر الصحابة: (وهم قومنا في كل علم واجتهاد وورع، وعقل، وأمر استدراك فيه علم أواستنباط، وآرؤاهم لنا أجمل وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا).
وقال: (إذا أجمعوا أخذنا باجتماعهم، وإن قال واحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله، وإن اختلفوا أخذنا بقول بعضهم ولم نخرج عن أقاويلهم كلهم)(١).
قال القاضي:( تفسير الصحابي كقوله).
قال الزركشي:( اعلم أن القرآن قسمان: قسم ورد تفسيره بالنقل، وقسم لم يرد والأول: إما أن يرد عن النبي - ﷺ - أوالصحابة أورؤوس التابعين، فالأول يبحث فيه عن صحة السند، والثاني ينظر في تفسير الصحابي، فإن فسره من حيث اللغة فهم أهل اللسان فلا شك في اعتماده أوبما شاهدوه من الأسباب والقرائن فلا شك فيه)(٢).
وقال ابن تيمية:( وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح )(٣).
ورجح هذا ابن القيم واختار القول بوجوب إتباع الصحابة فيما صدر عنهم من الأقوال فقال: (لا ريب أن أقوالهم في التفسير أصوب من أقوال من بعدهم) (٤).
قلت: وقد ساق رحمه الله ستة وأربعين وجهاً في ذكر الحجج والأدلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة(٥).

(١) البحر المحيط للزركشي ٨/٥٨.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٢/١٧٢.
(٣) فتاوى ابن تيمية ١٣/٣٦٤.
(٤) إعلام الموقعين ٤/١٥٣.
(٥) انظر: المرجع السابق ٤/١٢٣ - ١٥٣.


الصفحة التالية
Icon