ولذا تعددت شرائح المجتمع الأندلسي ما بين عرب، وبربر(١)، وصقالبة(٢)، ويهود.
هذه التركيبة المختلفة اجتماعياً، وثقافياً، وعرقياً، كان لها فوائد كثيرة منها امتزاج الثقافات وتبادل المنافع والخبرات، وكان لها أيضاً سلبيات حيث كانت كل تركيبة من هذا المجتمع متحفظة بأصولها؛ مما جعل الفتن والعصبيات لا تكاد تهدأ فيما بينهم مما جعل المجتمع الأندلسي ضعيف التلاحم فيما بينه كثير الفتن والإبتلاءات، حتى أن الجماعة الواحدة تجد بينها قتالاً كالعرب، والبربر، وهكذا(٣).
وأما بالنسبة لأهل الذمة من يهود ونصارى فقد حُفِظت لهم حقوقهم حسب الشريعة الإسلامية مما كان مضرب المثل في ذلك؛ بل كان سبباً في دخول بعضهم الإسلام(٤).
ثانياً: كانت فترة ملوك الطوائف فترة انتشر فيها المجون والفساد واقتناء القينات وإقامة مجالس الطرب ونحو ذلك من الفساد، والانصراف للدنيا وملذاتها والتنافس فيها مما أفسد المجتمع وأضعفه(٥).

(١) البربر: هم سكان شمال إفريقية أو ما يُعرف ببلاد المغرب، قيل: إن أصولهم عربية، وقيل: إنهم في الأصل ليسوا عرباً ولكن تعربوا لكثرة الهجرات العربية إليهم خصوصاً بعد الفتح الإسلامي، وهم ينقسمون إلى قسمين كبيرين هما: البتر والبرانس. انظر: تاريخ ابن خلدون (٦/١٠٦)، والأنساب (١/٣٠٦)، والمجتمع الأندلسي (٢١).
(٢) كان لفظ صقلبي يُطلق في القرن الرابع الهجري بالأندلس على الرقيق المجلوب من أوروبا، وكذلك من المناطق الشمالية في إسبانيا، وقد كثر عددهم في عهد عبد الرحمن الناصر حتى قيل: إنه بلغ عددهم في قرطبة ثلاثة عشر ألفاً وسبعمائة وخمسين، وقد لعبوا دورا هاماً في الأندلس في كل النواحي سواء العلمية أو الاجتماعية أو السياسية. انظر: المجتمع الأندلسي (٥١).
(٣) انظر: المجتمع الأندلسي (٦٩-١٤٣).
(٤) انظر: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس (١٣٣).
(٥) انظر: المجتمع الأندلسي (٢٠٣-٣٣٢).

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول الخامس: إن معناه : ما طاب من أموالكم، قاله الربيع( ).
القول السادس: إن معناه : الصدقة المفروضة، قاله مجاهد( ).
القول السابع: إن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة، وممن قال: بذلك ابن عباس - رضي الله عنهما -، والسدي( ).
والذي يظهر أن الخمسة الأقوال الأولى كلها بمعنى واحد، وأن المراد من ذلك صدقة التطوع على اختلاف تنوع بينها كما سبق، وهو ما أشار إليه ابن بطال هنا أنه الوارد عن أكثر السلف. قال ابن عطية: ".. وقال جمهور العلماء: بل هي نفقات التطوع" ا. هـ( ). وقال ابن عاشور: ".. وجعل الله العفو كله منفقاً ترغيباً في الإنفاق، وهذا دليل على أن المراد من الإنفاق هنا الإنفاق المُتطوَع به.." ا. هـ( ).
وقال ابن الجوزي: ".. والأظهر أنها في الإنفاق في المندوب إليه" ا. هـ( ).
وأمَّا القول بأنها الصدقة المفروضة فهو قول مردود؛ لأن الصدقة المفروضة معلومة المقدار وليست أمراً للمكلَّف فيه خيار العفو، وأيضاً هذا القول لا يُعرَف إلا عن مجاهد فالأكثرية ترجح القول بأن المراد بذلك صدقة التطوع.
قال ابن جرير: ".. فبين فساد قول من زعم.. أنه الصدقة المفروضة" ا. هـ( ).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وكذلك القول بأنها منسوخة قول فيه بُعْد، قال النحاس: "والقول الذي قبله إنها منسوخة بعيد" ا. هـ( ). وكذا قال غيره من العلماء: أن هذه الآية محكمة غير منسوخة( ). وهو الصواب. والله أعلم.
قال تعالى: ؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ ؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟ •؟؟؟ ؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟•؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ؟ (البقرة: ٢٢٢).
٩٩/٣ قال ابن بطال -رحمه الله-: "ومما يدل على جواز سعي المُكاتَب وسؤاله أن بريرة ابتدأت بالسؤال(١)، ولم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم-: هل لها مال أو عمل أو كسب، ولو كان واجباً لسأل عنه ليقع حكمه عليه؛ لأنه بُعث -صلى الله عليه وسلم- معلِّماً، وهذا يدل أن من تأول في قوله تعالى: ﴿ إِنْ ِNçGôJد=tو ِNخkژدù #[ژِچyz ﴾ أن الخير: المال، ليس بالتأويل الجيد، وأن الخير المذكور في الآية هو: القوة على الاكتساب مع الأمانة، وقد يكتسب بالسؤال" ا. هـ. (٧/٨٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى الخير في قوله تعالى: ﴿ إِنْ ِNçGôJد=tو ِNخkژدù #[ژِچyz ﴾ على أقوال:
القول الأول : إن المراد بالخير في هذه الآية: القدرة على الاحتراف والكسب، لأداء ما كوتبوا عليه، وممن قال بذلك: ابن عمر -رضي الله عنهما-، وابن عباس -رضي الله عنهما(٢)-، وغيرهم(٣).
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القول الثاني : إن المراد بالخير في هذه الآية: الصدق، والوفاء، والأداء، وممن قال بذلك: الحسن، ومجاهد، وطاووس، والنخعي(٤)، وغيرهم(٥).
(١) أراد بذلك حديث عائشة -رضي الله عنها-: "أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها.." أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المكاتب، باب ما يجوز من شروط المكاتب ومن اشترط شرطاً ليس في كتاب الله، ح(٢٥٦١)، ومسلم في صحيحه، كتاب العتق، باب بيان أن الولاء لمن أعتق، ح(١٥٠٤).
(٢) رواه عنهما ابن جرير في جامع البيان (٩/٣١٣).
(٣) انظر: المصدرين السابقين.
(٤) رواه عنهم ابن جرير في جامع البيان (٩/٣١٣-٣١٤)، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٨/٢٥٨٤-٢٥٨٥).
(٥) انظر: المصدرين السابقين.

١٣٢- الوسيط في تفسير القرآن المجيد، للواحدي، تحقيق: عادل عبد الموجود وآخرون، الطبعة الأولى ١٤١٥ه‍/١٩٩٤م، دار الكتب العلمية – بيروت.
١٣٣- بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم، ليسري محمد، ط الأولى ١٤١٤ه‍، دار ابن الجوزي – الدمام.
١٣٤- بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، لأحمد بن يحيى الضبي، تحقيق: د. روجيه السويفي، ط الأولى ١٤١٧ه‍‍، دار الكتب العلمية – بيروت.
١٣٥- تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط الأولى ١٤٢٣ه‍، دار الكتب العلمية – بيروت.
١٣٦- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحب الدين الزبيدي، تحقيق علي شيري، ط ١٤١٤ه‍، دار الفكر – بيروت.
١٣٧- تاريخ ابن خلدون، للعلامة ابن خلدون المغربي، دار الكتاب اللبناني – بيروت.
١٣٨- تاريخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، لأبي الوليد عبد الله بن محمد الأزدي المعروف بابن الفرضي، حققه واعتنى بنشره وصححه: عزت العطار الحسيني، ط الثانية ١٤٠٨ه‍، مكتبة الخانجي للطبع والنشر والتوزيع.
١٣٩- تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس، د. السيد سالم، دار النهضة – بيروت.
١٤٠- تاريخ بغداد، للحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق: مصطفى عطار، ط الأولى ١٤١٧ه‍، دار الكتب العلمية – بيروت.
١٤١- تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: د. أكرم العمري، ط الثانية ١٤٠٥ه‍، دار طيبة – الرياض.
١٤٢- تاريخ مدينة بلنسية، د. كمال الدين السيد، مركز الإسكندرية للكتاب.
١٤٣- تبصير وتيسير المنان، علي بن أحمد المهايجي، ط الثانية ١٤٠٣ه‍، دار عالم الكتب – بيروت.
١٤٤- تجريد التوحيد المفيد، لأحمد بن علي المقريزي، تحقيق: د. أحمد السايح ود. السيد الجميلي، ط الأولى ١٤١٧ه‍، مركز الكتاب للنشر – مصر – القاهرة.
١٤٥- تحريم آلات الضرب، للألباني، ط الثانية ١٤١٨ه‍‍، مكتبة الدليل – الجبيل.
فهرس المصادر والمراجع... ٤٢٦-٤٤٧
فهرس الموضوعات... ٤٤٨-٤٦١


Icon