وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع علماء السلف الصالح على النهي عن الخوض في علم الكلام وتعليمه وتجيهل أهله، والتحذير منهم، وأن أهل الكلام أهل بدع وزيغ "(١).
قال ابن عبدالبر: "أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميزان والفهم"(٢).
وقال ابن تيمية: " اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذم الكلام، والنهي عنه، وتجهيل أصحابه وتضليلهم... وكلام السلف والأئمة في ذم ذلك كثير مشهور في عامة كتب الإسلام وما من أحد قد شدا طرفاً من العلم إلا وقد بلغه من ذلك لكن كثيراً من الناس لم يحيطوا بكثير من أقوال السلف والأئمة في ذلك وبمعانيها وقد جمع الناس من كلام السلف والأئمة في ذلك مصنفات مفردة "(٣).
وعبارات السلف في ذم الكلام وأهله كثيرة ومستفيضة أشير إلى بعضها :
ما قاله أبو حنيفة لما سئل عن الكلام، قال :" مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها بدعة "(٤).
(٢) جامع بيان العلم وفضله (٢/٩٤٢).
(٣) درء تعارض العقل والنقل ( ٧/١٤٤-١٤٥).
(٤) انظر : ذم الكلام للهروي (٥/٢٠٧).
بين في هذه الآية أن ما لم يشرعه الله قربة ولا ندب إليه لا يصير قربة بأن يتقرب به متقرب، واستدل بحديث أبي إسرائيل حين نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فنهى النبي - ﷺ - عن ذلك وأمره أن يتكلم ويستظل ويقعد ويتم صومه، فأبطل النبي - ﷺ - ما كان غير قربة مما لا أصل له في شريعته، وصحح ما كان قربة مما له نظير في الفرائض والسنن "(١).
وعند قوله: ﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ المائدة : ٣.
استدل بها على النهي عما يفعله المنجمون(٢).
وعند قوله: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ الأنعام : ٦٨.
قال :" من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر مؤمناً كان أو كافراً "(٣).
٩- وله اهتمام بذكر الناسخ والمنسوخ من الآيات، وأحياناً يذكر كونها ذكر فيها النسخ ثم يرجح إحكامها وينفي النسخ ويبين وجهته في ذلك، فمثلاً: عند قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١) ﴾ النساء : ٧١.
قال: "قيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) ﴾ التوبة: ٤١.
وبقوله: ﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ التوبة : الآية ٣٩، ولأن يكون انفروا خفافاً وثقالاً منسوخاً بقوله: ﴿ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾ [النساء : ٧١].
(٢) انظر : المصدر السابق ( ٦/٥٨).
(٣) انظر : المصدر السابق [٤/١٦].
٢٧٥)... مسألة في الكنائس، لشيخ الإسلام ابن تيمية، مكتبة العبيكان، الرياض، ١٤١٩هـ، تحقيق: علي عبد العزيز الشبل.
(٢٧٦)... المستدرك على الصحيحين، لمحمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١١هـ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا.
(٢٧٧)... المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط١، ١٤١٨هـ.
(٢٧٨)... مسند الإمام أحمد بن حنبل، بيت الأفكار الدولية، الرياض، ١٤١٩هـ.
(٢٧٩)... مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، وإبراهيم الزيبق، ومحمد رضوان العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط١، ١٤١٩هـ.
(٢٨٠)... مسند الإمام أحمد بن حنبل، شرح وفهرسة: أحمد شاكر، دار المعارف، مصر، ١٣٧٧هـ.
(٢٨١)... مشاهير علماء الأمصار، لأبي حاتم محمد بن حبان التميمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٥٩م، تحقيق: م. فلا يشهمر.
(٢٨٢)... مشكل الآثار، لأحمد بن محمد الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت.
(٢٨٣)... مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، لأحمد بن أبي بكر البوصيري، دار الجنان، بيروت، ١٤٠٦هـ، تحقيق: كمال يوسف الحوت.
(٢٨٤)... المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، لأحمد بن محمد الفيومي، المكتبة العلمية.
(٢٨٥)... مصنف ابن أبي شيبة (الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار)، لأبي بكر عبد الله بن أبي شيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط، ١٤١٦هـ، ضبط وتصحيح: محمد عبد السلام شاهين.
(٢٨٦)... المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط٢، ١٤٠٣هـ، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي.
(٢٨٧)... مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، مصطفى الرحيباني، المكتب الإسلامي، دمشق، ١٩٦١م.
(٢٨٨)... معارج القبول شرح سلم الوصول إلى علم الأصول في التوحيد، للشيخ حافظ حكمي، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط١، ١٤١٧هـ.