١- ذكرت الآية أو الآيات التي نقل عنه فيها شيء من أقواله في أول الصفحة على وفق ترتيب المصحف الشريف.
٢- نقلت كلام ابن خويز منداد بنصه وجعلته أعلى الصفحة و التعليق عليه في الحاشية.
٣- ناقشت أقواله مبينة من وافقه ومن خالفه مع بيان الراجح.
٤- وثقت أقوال أهل العلم من كتبهم المعتمدة ومنهجي في التوثيق هو أنني أذكر الاسم المشهور للكتاب فإن كان مؤلفه مشهوراً، أو تكرر اسمه في المسألة الواحدة اكتفيت بذكر اسم الكتاب دون مؤلفه مكتفية بما في ثبت المصادر والمراجع، أما إن كان غير مشهور أو اشترك كتابان بنفس الاسم فإنني أذكر اسم الكتاب ومؤلفه.
٥- عزوت الآيات، وذلك بذكر اسم السورة ورقم الآية عند الآية مباشرة.
٦- خرجت الأحاديث الواردة مكتفية بالصحيحين أو أحدهما، إن كان فيهما أو أحدهما، وإن كانت في غيرهما خرجتها مع بيان حكم العلماء عليها إن وجد.
٧- ترجمت للأعلام غير المشهورين.
٨- عرفت بالأماكن والقبائل المذكورة.
٩- وضحت الألفاظ الغريبة.
* الخاتمة:
وتشتمل على أهم ما توصلت إليه من نتائج.
* الفهارس:
وفيها كشف وبيان لمحتويات الرسالة، وهي كما يلي:
١- فهرس الآيات القرآنية.
٢- فهرس الأحاديث.
٣- فهرس الآثار.
٤- فهرس الأعلام.
٥- فهرس المصادر والمراجع.
٦- فهرس محتويات الرسالة.
والحمد لله على ما امتن به علي من توفيقي لدراسة هذا البحث، ثم على إعانته لي في إتمامه، ثم أتقدم بالشكر لمن كان خير مرشد لي في بحثي وهو الأستاذ المؤدب الشيخ وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالياً والأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً إبراهيم الهويمل - حفظه الله- فقد كانت له اليد الطولى في توجيهي وإرشادي دون كلل ولا ملل، بل وكان بمثابة الأب الحنون في وقوفه معي في كل مراحل البحث بما فيها من عوائق و صعوبات فجزاه الله عني خير ما جزى معلماً عن تلميذه.
من ذلك ما وقع في سنة ٣١٤هـ عندما كتب ملك الروم الدمستق - لعنه الله - إلى أهل السواحل أن يحملوا إليه الخراج، فأبوا عليه، فركب إليهم في جنوده في أول هذه السنة فعاث في الأرض فساداً ودخل ملطية(١)، فقتل من أهلها خلقاً وأسر وأقام بها ستة عشر يوماً، وجاء أهلها إلى بغداد يستنجدون الخليفة عليه(٢).
وفي سنة ٣١٥هـ دخلت الروم شمشاط(٣)، وأخذوا جميع ما فيها ونصبوا فيها خيمة الملك، وضربوا الناقوس في الجامع بها(٤).
وفي سنة ٣٢٢هـ قصد ملك الروم ملطية في خمسين ألفاً فحاصرهم ثم أعطاهم الأمان حتى تمكن منهم فقتل منهم خلقاً كثيراً وأسر مالا يحصون كثرة(٥).
وفي سنة ٣٣٠هـ تمكن الروم من الوصول إلى قريب من حلب فقتلوا خلقاً وأسروا نحواً من خمسة عشر ألفاً(٦).
(٢) انظر: البداية والنهاية (١١/١٨٣)، وتاريخ الخلفاء (ص٣٨٢).
(٣) شمشاط: بكسر أوله وسكون ثانيه وشين مثل الأولى، وآخره طاء مهملة، وهي: مدينة بالروم على شاطئ الفرات في طرف أرمينية، وهي غير سميساط بسينين مهملتين، وكلتاهما على الفرات. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (٣/٣٦٢).
(٤) انظر: البداية والنهاية ( ١١/١٨٤).
(٥) انظر: البداية والنهاية ( ١١/٢١٠).
(٦) انظر : المصدر السابق (١١/٢٤١).
حجر(١)، والسيوطي(٢)، وابن الغزي(٣)، ومحمد مخلوف(٤)، والحجوي(٥)، والآلوسي(٦)، والشوكاني(٧)، والشنقيطي(٨)، وجمهور أهل العلم(٩).
القول الثاني :
ابن خويز بنذاذ
بنفس الضبط السابق إلا أنه بالباء بدل الميم، وذالين بينهما ألف.
ضبطه : الخفاجي(١٠)، وهو وجه من أوجه ضبط علي القارئ(١١).
القول الثالث :
ابن خويز منداذ.
(٢) ١١) انظر: تاريخ الخلفاء (١/٤١٦)، والإتقان في علوم القرآن (١/١٨).
(٣) ١٢) انظر: ديوان الإسلام (٢/٢٤٣).
(٤) ١٣) انظر: شجرة النور الزكية (ص ١٠٣).
(٥) ١٤) انظر: الفكر السامي (٢/١١٥).
(٦) ١٥) انظر: روح المعاني (٩/٣٤٨)، ( ١٣/٢١٤) وغيرها.
(٧) ١٦) انظر: فتح القدير (١/٥٢٧)، ( ٤/٦١).
(٨) ١٧) انظر: أضواء البيان ( ٢/١٨٥)، ( ٣/٤٢٨)، ( ٧/٣١٨)، وغيرها.
(٩) ١٨) انظر: المنتقى شرح الموطأ لسليمان الباحي (١/٣، ٤ )، ( ٢/٥٢، ٢٦٨- ٢٦٩)، والبحر المحيط
للزركشي ( ١/١٥، ٢٤٧، ٣٠٩، (٢/١٢٨)، ( ٣/٤٧، ٢٢٨)، وغيرها، وطرح التثريب للحافظ العراقي (٢/١٠٢، ٢١٦، ٢٥٩)، ( ٤/١١٢)، (٦/١٥١)، والبرهان في علوم القرآن للزركشي (٢/٢٥٥)، والتقرير والتحبير لابن أمير الحاج (١/١٤١)، ( ٢/٨٧)، والتاج والإكليل للعبدري ( ١/٤٣٧، ٥٣٠)، (٢/٣٨٦)، (٥/٣٢٧)، ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل للحطاب (١/٣٧، ٢١٢)، (٢/٧٥)، (٣/٤٢٥)، (٤/٢١١)،(٥/١٨٩)، وابن النجار في شرح الكوكب المنير ( صـ ١٨١)، (صـ ٤٥٧)، وشرح مختصر خليل للخرشي (١/٤٥)، (٣/١٥٨، ٢٠٦)، وحاشية على شرح كفاية الطالب للعدوي (١/٢٦١)، وحاشية = = الدسوقي على الشرح الكبير (١/٢٠)، وفتح الجليل شرح مختصر خليل لعليش (١/٢٥)، (٣/٢٤٦)، (٤/٣٩٢)، ( ٦/٢٥٨)، (٧/٢٠١)، ( ٩/٣٩٢). وأبجد العلوم في بيان أحوال العلوم لصديق حسن القنوجي ( ٢/٥٠٢) وغيرها.
(١٠) انظر : نسيم الرياض (٤/١٤١).
(١١) شرح الشفاء بهامش نسيم الرياض (٤/١٤١).
تعتبر السنة بياناً وإيضاحاًَ للقرآن، فالسنة مبينة لمجمل القرآن أو مقيدة لمطلقه، أو مخصصة لعمومه أو مشرعة لما لم يذكر في القرآن حكمه، فهي تأتي في المرتبة الثانية من مناهج التفسير بعد تفسير القرآن بالقرآن، وقد قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ النحل : ٤٤.
وقال: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ tûüدZح !$y‚ù=دj٩ خَصِيمًا (١٠٥) ﴾ النساء : ١٠٥.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على مكانة السنة من القرآن.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً أهميته: " فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له ". بل قد قال الإمام أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي: كل
ما حكم به رسول الله - ﷺ - فهو مما فهمه من القرآن قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ tûüدZح !$y‚ù=دj٩ خَصِيمًا (١٠٥) ﴾ النساء : ١٠٥.
وقال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٦٤) ﴾ النحل : الآية ٦٤.
ولهذا قال رسول الله - ﷺ - " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه"(١).
يعني: السنة، والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن لا أنها تتلى كما يتلى"(٢).
وقد اهتم ابن خويز منداد بهذا الطريق فمن ذلك:
(٢) مقدمة في أصول التفسير ( ص ٨٥ ).
الناقة وخدجت؛ إذا ولدت قبل تمام وقتها، وقيل: تمام الخلق وذلك نتاج فاسد"(١).
٣/ عن أبي سعيد الخدري قال: "أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر"(٢).
القول الثاني:
إن قراءة الفاتحة في الصلاة ليست بفرض، فمن تركها وقرأ غيرها؛ فقد أساء، وصلاته تجزئه.
قال به الحنفية(٣)، والحسن البصري(٤).
ومما استدلوا به:
١/ قوله تعالى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ ﴾ المزمل : ٢٠. قالوا: فهذه الآية تدل على أنه لا يتعين قراءة الفاتحة في الصلاة بل يجزئها غيرها، ويدل على ذلك حديث المسيء صلاته الذي في الصحيحين(٥)، وفيه أن النبي - ﷺ - قال له: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن).
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بالآتي:
(٢) رواه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب، حـ ٨١٨. موسوعة الحديث الشريف (ص١٢٨٣) قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم". انظر: المجموع (٣/٢٨٥)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (١/٢٣١) برقم: (٨١٨).
(٣) انظر: أحكام القرآن للجصاص (١/١٩).
(٤) انظر: تفسير الحسن البصري (١/٦٣).
(٥) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الآذان، باب أمر النبي - ﷺ - الذي لا يتم ركوعه بالإعادة، حـ ٧٩٣. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٣)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع، حـ ٣٩٧. موسوعة الحديث الشريف (ص٧٤١).
وقال ابن قدامة :" ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة، وسمي أمير المؤمنين؛ وجبت طاعته وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا السلمين"(١).
وقال النووي: بعد أن عدد طرق انعقاد الإمامة:
"أما الطريق الثالث فهو: القهر والاستيلاء فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع بشرائطها من غير استخلاف، ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته، لينتظم شمل المسلمين فإن لم يكن جامعاً للشرائط بأن كان فاسقاً أو جاهلاً فوجهان: أصحهما: انعقادها لما ذكرناه، وإن كان عاصياً بفعله"(٢).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والقدرة على سياسة الناس إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم، فمتى صار قادراً على سياستهم بطاعتهم أو بقهره فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله"(٣).
قال ابن جماعة(٤): انعزل الأول وصار الثاني إماماً لينتظم شمل المسلمين وتجتمع كلمتهم،
(٢) روضة الطالبين (١٠/٣).
(٣) منهاج السنة (١/٥٢٨).
(٤) هو: محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن حازم، الكناني الحموي البياني الشافعي، أبو عبد الله، الإمام العالم، ولي القضاء بمصر كان يخطب من إنشائه، ويؤديها بفصاحة، واجتمع له من الوجاهة، وطول العمر، ودوام العز ما لم يتفق لغيره، وصنف كثيراً في عدة فنون، وكان صاحب معارف يضرب في كل فن بسهم، وله وقع في النفوس وجلالة في الصدور، مات في جمادي الآخر سنة ٧٣٣هـ. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (٣/٣٦٧)، والوافي بالوفيات للصفدي (٢/١٨).
في رواية عنه.
٢- إنه علمه أسماء ذريته.
قال به: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم(١).
٣- إنه علمه أسماء الملائكة والذرية، دون سائر أجناس الخلق.
قال به ابن خويز منداد، وابن جرير الطبري(٢).
واحتج بالآتي:
بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣١) ﴾ يعني بذلك: أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم، ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة، وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوى من وصفنا، فإنها تكني عنها بالهاء والألف، أو الهاء والنون، فقال عرضهن أو عرضها(٣).
وقد أجاب ابن كثير عنه: بأن هذا الذي رجح ليس بلازم فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم، ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب(٤).
٤- إنه علمه أسماء الأجناس، وعرفه منافعها هذا كذا ويصلح لكذا.
(٢) انظر: تفسير الطبري (١/٢٤٨).
(٣) انظر: المصدر السابق في المكان نفسه.
(٤) انظر: تفسير ابن كثير (١/٢٢٦).
اختلف العلماء في تحديد زمن الحين وكلهم اعتمدوا على قوله تعالى: ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ إبراهيم : ٢٥، في تحديده، وإليك أقوالهم في ذلك:
القول الأول: إن مقدار الحين: سنة.
قال به: علي بن أبي طالب(١)، وابن عباس - رضي الله عنهما - في رواية(٢)، ومجاهد، وعكرمة(٣)، وابن زيد(٤)، والإمام مالك(٥)، واختاره: ابن خويز منداد، وابن العربي(٦).
القول الثاني: إن مقدار الحين: ستة أشهر:
قال به: ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، وسعيد بن جبير، وعكرمة في رواية، وعامر الشعبي(٧)، وقتادة(٨)، ومقاتل(٩)، وأبو حنيفة(١٠)٠)، وأبو عمرو الأوزاعي(١١)١)، وهو مذهب الحنابلة مطلقاً(١٢)٢).
القول الثالث: إن مقدار الحين: شهران.
قال به: سعيد بن المسيب(١٣)٣)، وطاووس بن كيسان(١٤)٤).
القول الرابع: إن الحين هو كل غدوة وعشية وكل ساعة.
(٢) هذه الرواية من طريق عطاء بن السائب، وهو طريق ضعيف، وسيأتي الكلام على إسناده.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٣/٢٤٨) وبحر العلوم لأبي الليث السمرقندي (٢/٢٠٦).
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٣/٢٤٨).
(٥) انظر: المدونة (١/٥٩٠).
(٦) انظر: أحكام القرآن (٣/٦٨).
(٧) ستأتي ترجمة للشعبي عند دراسة قول ابن خويزمنداد في آية البقرة: ٦٧.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٣/٦٤٧)، والنكت والعيون (١٣/١٣٢)، والمحرر الوجيز (ص١٠٥٥)، وفتح القدير للشوكاني (٣/١٤٥).
(٩) انظر: تفسير مقاتل (٢/٤٠٤).
(١٠) ١٠) انظر: المبسوط للسرخسي (٦/١١٣).
(١١) ١١) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١/٣٦٤).
(١٢) ١٢) انظر: الإنصاف للمرداوي (١١/٨٤).
(١٣) ١٣) انظر: أحكام القرآن للجصاص (٣/٢٣٦)، وأحكام القرآن لابن العربي (٣/٦٧)..........
(١٤) ١٤) انظر: المحلى لابن حزم (٦/٣٢٠). وستأتي ترجمة لطاووس عند دراسة قول ابن خويزمنداد في آية البقرة: ١٩١.
وهو أن يستهزئ بالله، أو ملائكته، أو كتبه، أو رسله، أو شرائعه، كيفما كان، فهذا كافر مرتد، ولا خلاف في ذلك بين الأئمة(١)، ومن ذلك ما فعله المنافقون الذين أنزل الله فيهم ﴿ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِن اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ ٧pxےح !$sغ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ Opxےح !$sغ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) ﴾ التوبة : ٦٤-٦٦.
قال ابن العربي: "لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً، أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر، فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخو الباطل والجهل"(٢).
وقال ابن الجوزي: "وهذا يدل على أن الجد واللعب في إظهار كلمة الكفر سواء"(٣).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا نص أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر صريح"(٤).
وقال أيضاً: "أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه"(٥).
(٢) أحكام القرآن، له (٢/٤٤٣).
(٣) زاد المسير (ص٥٢٦).
(٤) مجموع الفتاوى (١٥/٤٨)، وانظر: مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول، اختصار: محمد بن علي البعلي (ص٤٢).
(٥) مجموع الفتاوى (٧/٢٧٣).
القول الراجح:
الذي يظهر أن القول الثالث وهو: أن المراد بالآية كل ما ذكر، وما يدل عليه ظاهرها من النهي عن قتل النفس، هو: أشمل الأقوال فلا مانع من أن تكون الآية نزلت في بني إسرائيل، وتعم غيرهم، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا توجد قرينة تقصر معنى الآية على أحد الأقوال دون غيره.
وأيضا فإن المناهي التي في هذه الآية وردت فيها نصوص كثيرة تشهد لها، من ذلك النهي عن قتل النفس فقد جاءت أدلة كثيرة تنهى عن قتل النفس من الكتاب والسنة والإجماع(١).
قال ابن عطية: "أجمع المتأولون أن المقصود بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضاً، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل، أو بأن يحملها على غرر ربما مات منها، فهذا كله يتناوله النهي، وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد خوفاً على نفسه منه، فقرر رسول الله - ﷺ - احتجاجه(٢)"(٣).
فتبين أن ابن خويز منداد جوز وجهاً صحيحاً في الآية موافقاً للصواب.
والله أعلم.
(٢) حديث عمرو بن العاص رواه البخاري في صحيحه معلقاً، كتاب التيمم، باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت | الخ. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٠)، ورواه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟، حـ ١٢٦. موسوعة الحديث الشريف (ص١٢٣١). |
قال السرخسي(١): "من وقع أسيراً في يد أهل الحرب من المؤمنين، وقصدوا قتله؛ يفترض على كل مسلم يعلم بحاله أن يفديه بماله، إن قدر على ذلك، وإلا أخبر به غيره ممن يقدر عليه، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين بحصول المقصود"(٢).
وقال ابن قدامة: "ويجب فداء أسرى المسلمين إذا أمكن"(٣).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات"(٤).
وهذا الذي عناه ابن خويزمنداد في قوله: "تضمنت الآية وجوب فك الأسرى".
٢/ حكم فكاك الأسرى الكفار:
الجمهور على أن الإمام مخير فيهم بين القتل، أو المن، أو الفداء، أو الاسترقاق. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية(٥)، وابن القيم(٦)، وابن حجر(٧)، وغيرهم.
وبعض العلماء خص بعض هذه الأنواع دون بعض، والصواب - والله أعلم - ما ذهب إليه الجمهور.
قال الشوكاني: "والحاصل أنه قد ثبت في جنس أسارى الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق، فمن ادعى أن بعض هذه الأمور يختص ببعض الكفار دون بعض؛ لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات"(٨).
(٢) المبسوط (٣/٢٧١).
(٣) المغني (١٣/١٣٥).
(٤) مجموع الفتاوى (٢٨/٦٤٢).
(٥) انظر: مجموع الفتاوى (٣٤/١١٦).
(٦) انظر: زاد المعاد (٥/٦٥).
(٧) انظر : فتح الباري (٦/١٨٣).
(٨) انظر: نيل الأوطار (٨/٣٨٣٤).
الأول: إنهم الكفار والمشركون، أي: لا يصلح أن يكون الكافر أو المشرك إماماً للناس.
قال به: سعيد بن جبير، والسدي(١)، وأبو الليث السمرقندي(٢)، وابن الملقن(٣).
الثاني: إنهم العصاة.
قال به: عطاء(٤).
وقد جمع بين القولين ابن عطية فقال:
"إذا أولنا العهد الدين أو الأمان وأن لا طاعة لظالم، فالظلم في الآية ظلم الكفر لأن العاصي المؤمن ينال الدين والأمان من عذاب الله وتلزم طاعته إذا كان ذا أمر، وإذا أولنا العهد النبوة أو الإمامة في الدين فالظلم ظلم المعاصي فما زاد"(٥).
وبعد هذا العرض لأقوال المفسرين يظهر من قول ابن خويز منداد أنه أراد الإمامة في الدين التي منها: النبوة، والحكم بين الناس، والفتيا إلى آخر ما ذكره، والظالم لا يجوز أن يكون إماماً يقتدي به الناس في أمور الدين ولا الدنيا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسيره لهذه الآية:
"فعهد الإمامة لا ينال الظالم، فالظالم لا يجوز أن يؤتم به في ظلمه ولا يركن إليه، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ... ﴾ هود: ١١٣. فمن ائتم بمن لا يصلح للإمامة فقد ظلم نفسه"(٦).
المسألة الثالثة:
حكم عزل الإمام لفسقه، والخروج عليه:
(٢) انظر: بحر العلوم (١/١٥٦).
(٣) انظر: تفسير غريب القران (ص٦٦)...................
(٤) انظر: زاد المسير (ص٦٩).
(٥) المحرر الوجيز (ص١٣١).
(٦) مجموع الفتاوى (١٣/٢٠٣).
٣- قال الجصاص: "ويدل على أن الرخصة في الإفطار للمريض متعلقة بخوف الضرر، ما روى أنس بن مالك القشيري عن النبي - ﷺ -: (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، والصوم وعن الحامل والمرضع)(١)ومعلوم أن رخصتهما موقوفة على خوف الضرر على نفسيهما، أو على ولديهما، فدلَّ ذلك على أنَّ جواز الإفطار في مثله، متعلق بخوف الضرر إذ الحامل والمرضع صحيحتان لا مرض بهما، وأبيح لهما الإفطار لأجل الضرر(٢).
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:"وهو مذهب الجمهور، لأنه لا وجه لإباحة الفطر بمرض لا يشق معه الصوم، أو لا يتأخر معه البرء"(٣).
فتبين أن ابن خويز منداد وافق الجمهور في هذه المسألة، وهو القول الصواب.
والله أعلم.
(٢) أحكام القرآن (١/٢١٣).
(٣) تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين، سورة البقرة (٢/٣٢٥).
إنه عني بالبيوت النساء، سميت بيوتاً للإيواء إليهن كالإيواء إلى البيوت، ومعناه: لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهن وأتوهن من حيث يحل من قبلهن.
قال به: ابن زيد(١).
وقد نوقش هذا القول بالآتي:
قال ابن عطية: "كون الآية مثل في جماع النساء بعيد يغير نمط الكلام"(٢).
وقال ابن العربي: "أما القول، إن المراد بها النساء، فهو تأويل بعيد لا يصار إليه إلا بدليل فلم يوجد، ولا دعت إليه حاجة"(٣).
القول الثالث:
إن الآية خرجت مخرج التنبيه من الله - تعالى - على أن يأتوا البر من وجهه، وهو الوجه الذي أمر الله - تعالى - به فذكر إتيان البيوت من أبوابها مثلاً، يشير به إلى أن نأتي الأمور مأتاها الذي ندبنا الله إليه(٤).
وهذا ما يفيده ما ذكره ابن خويز منداد.
القول الراجح:
يمكن حمل الآية على القول بأنها البيوت حقيقة، وأنها تنبيه على إتيان الأمور من وجهها الشرعي لتكون براً.
قال ابن سعدي: "كان الأنصار وغيرهم من العرب إذا أحرموا لم يدخلوا البيوت من أبوابها تعبداً بذلك وظناً أنه بر، فأخبر تعالى أنه ليس من البر، لأن الله تعالى لم يشرعه لهم وكل من تعبد بعبادة لم يشرعها الله ولا رسوله - ﷺ - فهو متعبد ببدعة، وأمرهم أن يأتوا البيوت من أبوابها لما فيه من السهولة عليهم التي هي قاعدة من قواعد الشرع"(٥).
وقال ابن العربي:
"وحقيقة هذه الآية البيوت المعروفة بدليل ما روي من سبب نزولها من طرق متعددة | فحقق أنها المراد بالآية ثم ركب من الأمثال ما يحمله اللفظ، ويقرب ولا يعارضه شيء"(٦). |
هل العبادات توقيفية أم اجتهادية؟
(٢) المحرر الوجيز (ص١٦٩).
(٣) أحكام القرآن (١/١٤٣).
(٤) انظر: النكت والعيون(١/٢٥٠).
(٥) تفسير السعدي (١/١٤١).
(٦) أحكام القرآن، له (١/١٤٣).
١- إن الجمع بين الآيات التي قالوا إنها ناسخة، وقوله: ﴿ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ البقرة: ١٩١. ممكن ببناء العام على الخاص، فيقتل المشرك حيث وجد إلا بالحرم. ومما يؤيد ذلك قوله - ﷺ -: "وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار(١)" (٢)، وأيضا يؤيده القاعدة الأصولية التي تقول: "إذا وقع التعارض بين احتمال النسخ واحتمال التخصيص، فالتخصيص أولى(٣) فأمكن بذلك الجمع بين الآيات، قال أبو جعفر النحاس: "إذا أمكن العمل بالآيتين فلا معنى للقول بالنسخ"(٤).
٢- وأما احتجاجهم بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة فيجاب عنه بأنه وقع في تلك الساعة التي أحل الله لرسوله - ﷺ -(٥) بدليل أن الرسول - ﷺ - قال: (فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - ﷺ -، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله - ﷺ - ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب) (٦).
فدل ذلك على أن حكم الآية باق غير منسوخ، لأنه لا يصح دعوى النسخ، في آية من كتاب الله إلا إذا صح التصريح بنسخها، أو انتفى حكمها من كل وجه(٧)، وهذه الآية لم يصح فيها دليل على نسخها، ولم ينتف حكمها، بل ودلت السنة على بقاء حكم الآية كما سبق بيان ذلك.
فتبين أن قول ابن خويز منداد مرجوح................
والله أعلم.
(٢) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/٣٤٦).
(٣) انظر: البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (٢/٢٤٦).
(٤) الناسخ والمنسوخ (٣/١٢).
(٥) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/٣٤٦).
(٦) رواه البخاري في صحيحه، كتاب جزاء الصيد، باب لا يعضد شجر الحرم، حـ ١٨٣٢. موسوعة الحديث الشريف (ص١٤٣).
(٧) انظر: قواعد الترجيح لحسين الحربي (١/٧١).
قال به: البراء بن عازب، والنعمان بن بشير(١)، وعبيدة السلماني(٢)،
(٢) عبيدة هو: ابن عمرو، السلماني المرادي الهمداني، أسلم قبل وفاة النبي - ﷺ -، يكنى أبا مسلم، وقيل أبا عمرو، حضر وقعة الخوارج بالنهروان، وكان ابن سيرين من أروى الناس عنه، وكان شريح إذا أشكل عليه الشئ قال: "إن هاهنا رجلاً في بني سلمان فيه جرأة" فيرسلهم إلى عبيدة، وقال سفيان: "كان عبيدة يوازي شريحاً في العلم والفضل"، توفي سنة ٧٢هـ. انظر: تاريخ بغداد (١١/١١٩)، والنجوم الزاهرة لابن تغري بردي (١/١٨٩)، وطبقات الحفاظ لجلال الدين السيوطي (ص١٤).
وروي أن النبي - ﷺ - قال: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه"(١). ولأن ملك الابن تام على مال نفسه، فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته(٢).
القول الراجح:
القول الراجح هو القول الأول وهو: أن للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء، والله أعلم، وذلك لأسباب:
١- قوة الأدلة التي استدلوا بها.
٢- أن ما استدل به أصحاب القول الثاني عامة تخصص بأدلة القول الأول، فإن النبي
- ﷺ - جعل مال الابن مالاً لأبيه، بقوله: "أنت ومالك لأبيك"(٣)، فلا تنافي بينهما.
٣- حديث "كل أحد أحق... " الحديث، ضعيف، وعلى فرض صحته هو يدل على ترجيح حقه، على حقه، لا على نفي الحق بالكلية، والولد أحق من الوالد بما تعلقت به حاجته.
فالرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد، أو لم يأذن، ويجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله، ما لم يكن على وجه السرف والسفه(٤)، مع مراعاة الشروط التي ذُكرت سابقاً(٥).
فتبين بهذا أن قول ابن خويز منداد وافق القول الراجح في هذه المسألة.
والله أعلم.
(٢) انظر: المغني (٨/٢٨٢).
(٣) سبق تخريجه.
(٤) انظر: المغني (٨/٢٧٤)، ونيل الأوطار (٧/٣٠٠١).
(٥) راجع القول الأول في هذه المسألة.
الراجح هو القول الأول، وهو: أن الإسرار في صدقة التطوع أفضل(١)، سيما وقد وردت الأدلة المتكاثرة الحاثة على الإسرار بها، من ذلك: ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ -: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... " وذكر منهم :"ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"(٢). وغيره كثير.
فالأصل أن إخفاء الصدقة أفضل ثم إن الآية عامة في المفروضة والمندوبة(٣)، إلا أنه ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يخصص هذا العموم وهو قوله:
"جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفاً، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها"(٤).
قال القرطبي: "مثل هذا لا يقال من جهة الرأي وإنما هو التوقيف، وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة"(٥)، وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء، والنوافل عرضة لذلك"(٦).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين، حـ ١٤٢٣. موسوعة الحديث الشريف (ص١١٢)، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، حـ ١٠٣١. موسوعة الحديث الشريف:(ص٨٤٠).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٥/١٧).
(٤) تفسير ابن عباس، جمع: د. محمد العبدالقادر (٢/٥٤٨) وقال جامعه: "وهذا الخبر صحيح".
(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته | الخ. حـ ٧٨١. موسوعة الحديث الشريف (ص٨٠١). |
والله قد رفع عن هذه الأمة كثيراً من الأغلال والآصار التي كانت على من قبلنا مما ذكره المفسرون هنا وغيرها، مثل: أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وقد ذكر الله في كتابه الكثير منها ليس هذا محل سردها.
والآية تدل على سماحة دين محمد - ﷺ - ويسره قال - صلى الله عليه وسلم- "بعثت بالحنيفية السمحة"(١). وهي كما ذكر ابن خويز منداد حجة على من أثقل على نفسه أو غيره في العبادة. قال الجصاص: "هذه الآية ونظائرها يحتج بها على نفي الحرج والضيق والثقل في كل أمر اختلف الفقهاء فيه وسوغوا فيه الاجتهاد، فالموجب للثقل والضيق والحرج محجوج بالآية"(٢)، وقال الكيا الهراسي في تفسيرها :"ويحتج به في نفي الحرج والضيق المنافي ظاهره الحنيفية السهلة السمحة، وهذا بين"(٣).
وهناك نصوص كثيرة تدل على يسر الدين، وأن الله رفع عن هذه الأمة الحرج، من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ الحج : ٧٨. ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ البقرة: ١٨٥. وقوله: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ المائدة: ٦. وقوله: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ﴾ النساء : ٢٨. وفي الحديث: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة"(٤).
(٢) أحكام القرآن (١/٦٥٤).
(٣) أحكام القرآن (١/٢٧٣).
(٤) رواه البخاري في صحيحه معلقاً، في ترجمة باب الدين يسر من كتاب الإيمان. موسوعة الحديث الشريف (ص٥)
إن الآيات المتشابهات هي: ما لا يستقل بنفسه في المعنى إلا بنوع استدلال أو برد إلى غيره.
قال به : مجاهد، وعكرمة(١)، وأحمد بن حنبل(٢).
ورجحه: ابن كثير(٣)، والشوكاني(٤).
القول السادس:
إن الآيات المتشابهات هي: التي يقع فيها الخلاف والتعارض.
قال به: ابن خويز منداد.
القول الراجح:
إذا أمعنا النظر في الأقوال السابقة نجد كل قول من الأقوال قد خص المتشابه بنوع معين من الصفات دون غيرها، والأمر أوسع مما قالوه جميعاً(٥).
وأظهر هذه الأقوال وأرجحها هو: القول الخامس، وهو: أن الآيات المتشابهات هي ما لا يستقل بنفسه في المعنى، ويخفى معناه، وتلتبس فيه الآراء وتختلف فيه الأهواء(٦).
فتبين أن قول ابن خويز منداد صحيح إلا أنه لا يفي بالمعنى.
والله أعلم.
(٢) انظر: زاد المسير (ص١٥٤)، ومجموع الفتاوى (١٧/٤٢٢).
(٣) انظر: تفسير ابن كثير (٢/٧).
(٤) انظر: فتح القدير للشوكاني (١/٥٢٧).
(٥) انظر: المصدر السابق بنفس المكان.
(٦) انظر: تفسير ابن كثير (٢/٧).
أن قول الشافعي هنا اجتهاد منه - رحمه الله -، مع أنه ورد في المسألة نص، والذي أجمع عليه أهل العلم، ومنهم الشافعي نفسه أن الاجتهاد يسقط عند ظهور النص(١)، وقد جاء نص ينهى الأب عن تزويج ابنته إلا بإذنها سواء أكانت ثيباً أم بكراً.
فقد روى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها قال: "أن تسكت" (٢)، فهذا نص في وجوب استئذانها فإلم ترض، وأجبرت على الزواج فلها الخيار في البقاء أو الفسخ.
٢- أن الله أمر نبيه - ﷺ - أن يشاور أصحابه في الأمور، وهو يأتيه وحي السماء لأنه أطيب لأنفس القوم، وتألفاً لهم على دينهم، وإن كان الله قد أغناه بوحيه عن رأيهم(٣)، وقد يقال إن المشاورة في الأمور التي ليس فيها وحي أو فيما يتعلق بالجهاد كما في بدر، أو في أمر من أمور الدنيا.
وقد أجاب عن هذا الاستدلال الجصاص حيث قال:
"وغير جائز أن يكون الأمر بالمشاورة على جهة تطييب نفوسهم، ورفع أقدارهم، ولتقتدي الأمة به في مثله، لأنه لو كان معلوماً عندهم أنهم إذا استفرغوا مجهودهم في استنباط ما شوّروا فيه، وصواب الرأي فيما سئلوا عنه، ثم لم يكن ذلك معمولاً عليه، ولا متلقَّى منه بالقبول بوجه، لم يكن في ذلك تطييب نفوسهم، ولا رفع لأقدارهم، بل فيه إيحاشهم، وإعلامهم بأن آراءهم غير مقبولة، ولا معمول عليها.."(٤).
القول الثالث:
إن الأمر في الآية للوجوب لكنه خاص بالنبي - ﷺ -.
(٢) رواه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، حـ ١٤١٩. موسوعة الحديث الشريف (ص٩١٤).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٦/١٩٠-١٩١).
(٤) أحكام القرآن للجصاص (٢/٥٢).
١/ أن النبي - ﷺ - لم يحرق متاع الغال في أحاديث عدة، منها: حديث صاحبِ الشملة(١)الذي قال فيه - ﷺ -: "بل، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً" فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي - ﷺ - بشراك أو شراكين، فقال: هذا شيء قد كنت أصبته، فقال رسول الله - ﷺ -: "شراك أو شراكان من نار"(٢).
وروى أبو داود في كتاب الجهاد، وبوب له بـ: "باب في الغلول إذا كان يسيراً يتركه الإمام ولا يحرق رحله" عن عبد الله بن عمرو قال: كان رسول الله
- ﷺ - إذا أصاب غنيمة، أمر بلالاً فنادى في الناس فيجيئون بغنائم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر، فقال: يا رسول الله هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، فقال: "أٍسمعت بلالاً ينادي؟" ثلاثاً، قال: نعم، قال: "وما منعك أن تجيء به؟" فاعتذر إليه، فقال: "كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك"(٣). وغيرها من الأحاديث.
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، حـ ٤٢٣٤. موسوعة الحديث الشريف (ص٣٤٧)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول، حـ ١١٥. موسوعة الحديث الشريف (ص٦٩٧).
(٣) حـ ٢٧١٢. موسوعة الحديث الشريف (١٤٢٥)، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٢/١٥٩).
هذه المسألة فيها تفصيل على النحو الذي ذكره ابن خويزمنداد وهو:
أولاً: إذا كان الثغر مخوفاً: فإنه يكره نقل النساء والذرية إليه.
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: " لا تنزلوا المسلمين ضفة البحر"(١). لأن الثغور المخوفة لا يؤمن من ظفر العدو بها وبمن فيها، واستيلاؤهم على الذرية والنساء.
قيل للإمام أحمد: فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم؟قال: "كيف لا أخاف الإثم وهو يعرض ذريته للمشركين"(٢).
قال ابن قدامة: "وهذا من كلام أحمد محمول على أن غير أهل الثغر لا يستحب لهم الانتقال بأهلهم إلى ثغر مخوف، فأما أهل الثغر فلابد لهم من السكنى بأهلهم، لولا ذلك لخربت الثغور وتعطلت"(٣).
ثانياً: إذا كان الثغر مأموناً منيعاً فلا يكره نقل الأهل إليه(٤).
وهذا ما بينه ابن خويز منداد في حكم الرباط بالأهل ولم أقف على خلاف فيما ذكر.
فتبين أن ابن خويز منداد وافق الصواب في هذه المسألة.
والله أعلم.
(٢) انظر: الفروع لابن مفلح (٦/١٩٦)، وكشاف القناع لمنصور البهوتي (٣/٤٣)، ومطالب أولى النهي لمصطفى الرجيباني (٤/٥١٠).
(٣) المغني (١٣/٢٣).
(٤) انظر: مطالب أولي النهى (٤/٥١٠).
١/ أن قولهم إلى أجل مسمى لم يثبت قراناً لإجماع الصحابة على عدم كتابته في المصاحف العثمانية، وأكثر الأصوليين على أن ما قرأه الصحابي على أنه قرآن، ولم يثبت كونه قرآناً لا يستدل به على شيء لأنه باطل من أصله لأنه لمالم ينقله على أنه قرآن فبطل كونه قرآناً، فظهر بطلانه من أصله.
٢/ أنا لو مشينا على أنه يحتج به، كالاحتجاج بخبر الآحاد كما قال به قوم، أو على أنه تفسير منهم للآية بذلك، فهو معارض بأقوى منه لأن جمهور العلماء على خلافه، ولأن الأحاديث الصحيحة الصريحة قاطعة بكثرة بتحريم نكاح المتعة، وصرح - ﷺ - بأن ذلك التحريم دائم إلى يوم القيامة، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سَبْرَة بن معبد الجهني(١)- رضي الله عنه - أنه غزا مع رسول الله - ﷺ - يوم فتح مكة فقال: "يا أيها الناس إني قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً"(٢).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٦/٥٨٩)، وأحكام القران للجصاص (٢/١٨٦).
فيالها من وكالة أوجبت طاعتهم، والانتهاء إلى أمرهم، وكون الناس تبعاً لهم.
والأمراء ولاته: قياماً، ودعاية، وجهاداً، وإلزاماً للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه، وهذان الصنفان هم الناس، وسائر النوع الإنساني تبع لهم ورعية"(١).
والله أعلم.
المسألة الثانية:
حكم طاعة ولاة الأمر، وهل هي مطلقة أم مقيدة؟:
أجمع أهل العلم على وجوب طاعة ولاة الأمر، وأنه مقيد فيما لا يخالف أمر الله، ومالم يأمر بمعصية(٢)، لما رواه الشيخان(٣)عن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - ﷺ - قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، مالم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
قال ابن حجر: "في الحديث وجوب طاعة ولاة الأمر، وهي مقيدة بغير الأمر بالمعصية... والحكمة من الأمر بطاعتهم؛ المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد"(٤).
(٢) انظر: شرح صحيح مسلم للقاضي عياض (٦/٢٤٠)، ومراتب الإجماع لابن حزم ( ص ٢٠٩).
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام مالم تكن معصية، حـ ٧١٤٤. موسوعة الحديث الشريف (ص ٥٩٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حـ ١٨٣٩. موسوعة الحديث الشريف ( ص ١٠٠٨).
(٤) فتح الباري (١٣/١٤٠).
ورجحه: الطبري(١)، وابن عطية(٢)، وابن الجوزي(٣)، وابن العربي(٤)، والقاسمي(٥)، والشنقيطي(٦)، وقال به أكثر العلماء(٧). وهو الظاهر من قول ابن خويز منداد.
القول الثاني:
إن الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ﴾ المائدة: ٤٩. فكان النبي - ﷺ - إذا ترافع إليه أهل الكتاب مخيراً بين أن يحكم بينهم، أو يعرض عنهم، ثم نسخ بقوله: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ.... ﴾ الآية، فلزمه الحكم وزال التخيير(٨).
(٢) انظر: المحرر الوجيز (ص ٥٤٤).
(٣) انظر: نواسخ القرآن (ص٣١٤)، وزاد المسير (ص ٣٢٣).............
(٤) انظر: الناسخ والمنسوخ في القرآن، له (٢/٢٠٢)، وانظر: أحكام القرآن له (٢/٩٢).
(٥) انظر: محاسن التأويل (٤/١٤٢).
(٦) انظر: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، الملحق بأضواء البيان (ص ٧٨).
(٧) انظر: معالم التنزيل (٢/٣٩)، والمحرر الوجيز (ص ٥٤٤).
(٨) انظر: نواسخ القرآن لابن الجوزي (ص٣١١).
ورجحت هذا القول لقوته، ولضعف القول الآخر، ولما ورد عليه من ردود.
فتبين بذلك أن ابن خويز منداد حمل معنى الآية على وجهين أحدهما مرجوح، والآخر صحيح.
والله أعلم.
قال الطبري: "هذا نهي من الله - عز وجل - المؤمنين أن يتخذوا الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً، توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك ﴿ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ أي: إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل"(١).
وكما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ آل عمران: ١١٨.
قال ابن كثير: "قوله: ﴿ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ ﴾ أي: من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصة أهله، الذين يطلعون على داخلة أمره... قيل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إن ها هنا غلاماً من أهل الحيرة، حافظ كاتب فلو اتخذته كاتباً؟ قال: "قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين"، ففي هذا الأثر مع هذه الآية دلالة على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين، وإطلاع على دواخل أمورهم، التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب، ولهذا قال: ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ "(٢).
وغيرها من الآيات إلا أن المقام لا يسع لسردها.
ثانياً: أما إن كانت الاستعانة من المسلمين بالكفار على قتال الكفار:
فقد اختلف فيها العلماء، على قولين:
القول الأول:
إنه لا يجوز الاستعانة بهم:
(٢) تفسير ابن كثير (٢/١٠٧).
وروى الشيخان بإسناديهما عن المغيرة بن شعبة عن النبي - ﷺ - قال: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل، وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال"(١).
وقد فصل ابن حجر القول في حكم المبالغة في الإنفاق، تفصيلاً دقيقاً، فقال: "والأقوى أنه ما أنفق في غير وجهه المأذون فيه شرعاً سواء أكانت دينية أم دنيوية فمنع منه، لأن الله تعالى جعل المال قياماً لمصالح العباد، وفي تبذيرها تفويت تلك المصالح، إما في حق مضيعها، وإما في حق غيره، ويستثنى من ذلك كثرة إنفاقه في وجوه البر لتحصيل ثواب الآخرة، ما لم يفوت حقاً أخروياً أهم منه، والحاصل في كثرة الإنفاق ثلاثة أوجه:
الأول: إنفاقه في الوجوه المذمومة شرعاً، فلا شك في منعه.
والثاني: إنفاقه في الوجوه المحمودة شرعاً، فلا شك في كونه مطلوباً بالشرط المذكور.
والثالث: إنفاقه في المباحات بالأصالة كملاذ النفس، فهذا ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: ما يكون لدفع مفسدة إما ناجزة، أو متوقعة فهذا ليس بإسراف.
والثاني: ما لا يكون في شيء من ذلك، فالجمهور على أنه إسراف.."(٢).
والمتتبع للنصوص الآمرة بالقصد، والتوسط، والاعتدال، والناهية عن الإسراف، ومجاوزة الحد، يجدها كثيرة، وليس المقام لسردها.
الحاصل مما تقدم أن الآيات المبيحة للطيبات، والتي فيها الذم لمن حرمها، وضيق على العباد فيها، المراد بها الإباحة في الجملة، فتكون مباحة في حدود ما أذن به الشارع، ومذمومة فيما سوى ذلك.
فتبين أن ما ذكره ابن خويز منداد بعضه صواب، وبعضه مخالف لذلك.
والله أعلم.
(٢) فتح الباري (١٠/٥٠١).
قال العظيم آبادي(١)في شرح هذا الحديث: "أي ألزم أمر نفسك واحفظ دينك واترك الناس ولا تتبعهم. وهذا رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كثر الأشرار وضعف الأخيار"(٢).
القول الثاني:
إن المراد بالآية عليكم أنفسكم إذا أديتم ما أمرتم به، فلا يضركم ضلال من ضل.
قال به: أبو بكر الصديق، وابن عباس(٣)، وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم -، وسعيد بن المسيب(٤)، والحسن البصري(٥). وهو قريب من القول الأول الذي ذكره ابن خويز منداد.
ورجحه: الطبري(٦)، والزجاج(٧)، وابن كثير(٨)، و الشنقيطي(٩)٠).
واستدلوا بالآتي:
بعموم النصوص التي فيها فرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) ﴾ آل عمران: ١٠٤.
(٢) عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي عبد الرحمن شرف الحق العظيم آبادي (١١/٢٩٥).
(٣) انظر: تفسير الطبري (٩/٥١)، والدر المنثور (٢/٥٩٨و ٦٠١).
(٤) انظر: زاد المسير (ص ٣٥٠)، وروح المعاني (٤/٤٤)..........
(٥) انظر: تفسير الحسن (١/٣٤٥).
(٦) انظر: تفسير الطبري (٩/٥٤).
(٧) انظر: معاني القرآن وإعرابه (٢/٢١٤)......................
(٨) انظر: تفسير ابن كثير (٣/٢١٢).
(٩) ١٠) انظر: أضواء البيان (٢/١٢٩).
وقد ذكر الشوكاني في تفسيره لهذه الآية كلاماً شديداً في حكم مجالسة أهل الأهواء والبدع مستدلاً عليه بهذه الآية، حيث قال: "قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ الآية، الأنعام: ٦٨. في هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه، وسنة رسوله - ﷺ -، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة، وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه، فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير، وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة، يشبهون بها على العامة فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر، وقد شاهدنا من هذه المجالسة الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق، ودفع الباطل، بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا، ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها، علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف ما في مجالسة من يعصِ الله بفعل شيء من المحرمات، ولا سيما بمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة، فإنه ربما ينفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه، ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره، ويلقى الله به معتقداً أنه من الحق، وهو من أبطل الباطل، وأنكر المنكر"(١).
ومن الأخبار التي أشار إليها ابن حجر ما تقدم من أن النبي - ﷺ - نهى عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير(١)، ومن ذلك نهيه عن لحوم الحمر الأهلية(٢)، وتحريم الخمر، كما في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) ﴾ المائدة: ٩٠، والإجماع على تحريم القاذورات، و الأشياء التي أوجب النبي - ﷺ - قتلها(٣).
٤- أن القائل بأن الآية حصرت المحرمات يلزمه أن لا يحرم أشياء معلومة من الدين بالضرورة، كأكل ما ذبح ولم يذكر اسم الله عليه عمداً، وأن يستحل الخمر ونحوها حيث أن هذه الأشياء لم تذكر في الآية(٤).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الذبائح والصيد، باب لحوم الحمر الأنسية، حـ ٥٥٢١ - ٥٥٢٨. موسوعة الحديث الشريف (ص٤٧٥)، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيد، باب تحريم أكل لحم الحمر الأنسية، حـ ١٩٣٦. موسوعة الحديث الشريف (ص١٠٢٤).
(٣) انظر: أحكام القرآن للكيا الهراس (٣/١٢٧)، وأضواء البيان (٢/١٨٨) وما بعدها، فقد فصَّل المحرمات التي حرمت بعد آية الأنعام : ١٤٥.
(٤) انظر: التمهيد (١٠/٣٤٨)، وفتح القدير للشوكاني (٢/٢٤١).
١- حديث عقوبة مانع الزكاة، قال رسول الله - ﷺ - :" من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا (١) أقرع له زبيبتان (٢) يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه، يعني: شدقيه، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك" ثم تلا: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ آل عمران : ١٨٠" (٣).
وفي رواية مسلم من حديث طويل: ".. ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع.." (٤).
٢-وبحديث: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي فيها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى جنة وإما إلى نار" (٥).
٣-وبحديث تحديد نصاب الزكاة الذي رواه البخاري في باب ما أدى زكاته فليس بكنز: أن النبي ﷺ - قال: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة"(٦).
(٢) ١٤) الزبيبتان: الزبيبة: نكتة سوداء فوق عين الحية، وقيل: هما نقطتان تكتنفان فاها، وقيل: هما زبدتان في شدقيها. انظر: النهاية لابن الأثير (ص٣٩٣).
(٣) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، حـ ٤٠٣. موسوعة الحديثة الشريف (ص١١٠).
(٤) صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، حـ ٩٨٨. موسوعة الحديث الشريف (ص٨٣٤).
(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اثم مانع الزكاة، حـ ٩٨٧، موسوعة الحديث الشريف (ص٨٣٣).
(٦) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ما أدي زكاته فليس بكنز، حـ ١٤٠٥. موسوعة الحديث الشريف (ص١١٠).
الذي ترجح لدي أن قسم الفيء مفوض إلى اجتهاد الإمام يفعل ما يراه من تسوية، وتفضيل، وهو ما رجحه الإمام أحمد في رواية، وابن قدامة(١)، وابن مفلح(٢)، وذلك لأنه لم يرد نص في المسألة يجب الرجوع إليه، وكلاً من القولين قال به اثنان من الخلفاء الراشدين الذين أوصى النبي - ﷺ - بالأخذ بسنتهم، كما في حديث العرباض بن
سارية، وفيه: "فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ"(٣).
فالأخذ بالقولين والحال هذه أولى.
فتبين أن قول ابن خويز منداد في هذه المسألة صواب.
والله أعلم.
(٢) انظر: الفروع (٦/٢٩١).
(٣) رواه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حـ ٤٦٠٧. موسوعة الحديث الشريف (ص١٥٦١)، ورواه الترمزي في جامعه، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، حـ ٢٦٧٦. موسوعة الحديث الشريف (ص١٩٢١)، وابن ماجة في سنته، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، حـ ٤٣. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٤٧٩)، وصححه الألباني في صحيح جامع الترمزي برقم: (٢٦٧٦) ( ٣/٦٩).
١٠)، وابن قتيبة(١)١١)، والفراء(٢)١٢)، والجصاص(٣)١٣)، وابن خويز منداد،
والراغب الأصفهاني(٤)١)، والبغوي(٥)٢)، والزمخشري(٦)٣)، وابن عطية(٧)٤)، وابن الملقن(٨)٥)، والشوكاني(٩)٦)، والشنقيطي(١٠)٧).
ومال إليه: ابن حجر، حيث قال: "والمعروف أنه - أي القفو - الاتباع... فانطلق يقفو
أثره، أي: يتبعه"(١١)٨).
القول الثالث:
إن المراد بالآية: لا ترم أحداً بما ليس لك به علم.
قال به: ابن عباس - رضي الله عنهما - من رواية العوفي عنه(١٢)٩)، ومجاهد(١٣)١٠)، والحسن(١٤)١١)، وابن أبي زمنين(١٥)١٢).
واختاره: الطبري(١٦)١٣)، وابن كثير(١٧)١٤).
واستدلوا:
بقوله - ﷺ -:
(٢) ١٢) انظر: معاني القرآن (٢/١٢٣).
(٣) ١٣) انظر: أحكام القرآن، له (٣/٢٦٤).
(٤) انظر: المفردات في غريب القرآن (ص٤١٠) مادة: (قفا).
(٥) انظر: معالم التنزيل (٣/١١٤).
(٦) انظر: الكشاف (٢/٦٦٦).
(٧) انظر: المحرر الوجيز (ص١١٤٣).
(٨) انظر: تفسير غريب القرآن (ص٢١٨).
(٩) انظر: فتح القدير (٣/٣١٤).
(١٠) انظر: أضواء البيان (٣/٤٣٠).
(١١) انظر: فتح الباري (١٣/٣٤٦).
(١٢) انظر: النكت والعيون (٣/٢٤٣)، وزاد المسير (ص٧٤٣)، وتفسير ابن كثير (٥/٧٥).
(١٣) ١٠) انظر: تفسير مجاهد (١٥/٣٦٣).
(١٤) ١١) انظر: تفسير ابن أبي زمنين (٣/٢١).
(١٥) ١٢) انظر: المصدر السابق.
(١٦) ١٣) انظر: تفسير الطبري (١٤/٥٩٥).
(١٧) ١٤) انظر: تفسير ابن كثير (٥/٧٥).
وقد استدل بهذه الآية على جواز هذه المسألة الجصاص حيث قال: " قوله تعالى: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ الآية، يدل على جواز خلط دراهم الجماعة و الشراء بها، والأكل من الطعام الذي بينهم بالشركة، وإن كان بعضهم قد يأكل أكثر مما يأكل غيره، وذلك لأنهم قالوا: ﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴾ فأضاف الورق إلى الجماعة، ونحوه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ البقرة: ٢٢٠. فأباح لهم بذلك خلط طعام اليتيم بطعامهم، وأن تكون يده مع أيديهم مع جواز أن بعضهم أكثر أكلاً من غيره"(١).
فتبين أن ابن خويز منداد وافق أهل العلم في هذه المسائل، وأن استنباطاته منها صحيحة.
والله أعلم.
٢- أنها داخلة في عموم حديث: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل(١)(٢).
نوقش هذا القول بالآتي:
أنه يمكن حمل صلاة الصحابة في الكنائس على كونهم يصلون في التي ليس فيها صور(٣).
القول الثالث:
أنها تصح الصلاة فيها بلا كراهة، إن لم يكن فيها صور، فإن كان فيها صور فتكره الصلاة فيها.
قال بهذا: ابن عباس - رضي الله عنهما -، وأحمد في رواية، وهي ظاهر مذهب الحنابلة(٤)، وابن تيمية(٥)، والشوكاني(٦).
واحتجوا بالآتي:
١- أن الكنيسة التي فيها صور ستقابل الصور التي فيها المصلي وتواجهه، وهي كالأصنام إلا أنها غير مجسدة، فهي شعار الكفر ومأوى الشيطان(٧).
٢- وما ورد عن بعض الصحابة كما في قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "إنا لا ندخل كنائسكم، من أجل التماثيل التي فيها الصور"(٨).
(٢) انظر: المغني لابن قدامة (٢/٤٧٨)، وأحكام أهل الذمة لابن القيم (ص٤٨٥).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٢٢/١٦٣).
(٤) انظر: المغني (٢/٤٧٨).
(٥) انظر: مجموع الفتاوى (٢٢/١٦٢).
(٦) انظر: نيل الأوطار (٣/١٠٤٩).
(٧) انظر: أحكام أهل الذمة (ص٤٨٦).
(٨) علقه البخاري بصيغة الجزم في صحيحه، كتاب الصلاة، في ترجمة باب الصلاة في البيعة، موسوعة الحديث الشريف (ص٣٧). ووصله عبد الرازق في مصنفه، من طريق أسلم مولى عمر - رضي الله عنه - (١/٤١١) برقم: (١٦١٠-١٦١١).
- ﷺ -، ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعاً -ayah text-primary">﴿ فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾ يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن -ayah text-primary">﴿ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ﴾ يقول تعالى ذكره: سؤالكم إياهن المتاع، إذا سألتموهن ذلك من وراء حجاب؛ أطهر لقلوبكم وقلوبهن من عوارض العين فيها، التي تعرض في صدور الرجال من أمر النساء، وفي صدور النساء من أمر الرجال، وأحرى من ألا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل"(١). قال أبو حيان: "إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة"(٢).
٣- وقوله تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٦٠) ﴾ النور: ٦٠.
قال الشنقيطي: "بين في هذه الآية الكريمة أن القواعد، أي العجائز، اللاتي لا يرجون نكاحاً: أي لا يطمعن في النكاح لكبر السن، وعدم حاجة الرجال إليهن؛ يرخص لهن برفع الجناح عنهن في وضع ثيابهن، بشرط كونهن غير متبرجات بزينة ثم إنه - جل وعلا - مع هذا كله قال: ﴿ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ﴾ أي: واستعفافهن عن وضع ثيابهن مع كبر سنهن، وانقطاع طمعهن في التزويج، وكونهن غير متبرجات بزينة، خير لهن، وأظهر الأقوال في قوله: (أن يضعن ثيابهن) أنه: وضع ما يكون فوق الخمار والقميص، من الجلابيب التي تكون فوق الخمار والثياب"(٣).
(٢) البحر المحيط (٧/٣٢٩).
(٣) أضواء البيان (٦/٣٨٨).
رابعاً: وبحديث: (إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته، فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى)(١).
وكل ما استدلوا به يدور ما بين ضعيف أو موضوع، ولم أقف على دليل يصح في النهي عن النظر إلى عورة الزوجة أو الأمة أو العكس، بل قد ورد حديث يدل على جواز ذلك، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت :"كنت اغتسل أنا والنبي - ﷺ - من إناء واحد"(٢).
(٢) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب غسل الرجل مع امرأته، حـ ٢٥٠. موسوعة الحديث الشريف (ص٢٣).
قال بهذا: الحسين بن الفضل(١)١)، والسمرقندي(٢)٢)، والرازي(٣)٣)، وابن تيمية(٤)٤).
وجعله ابن كثير وجهاً محتملاً في تفسير الآية(٥)٥).
القول الثالث:
أن المراد بالركوع في الآية: الصلاة، أي: لما أحس بالأمر قام إلى الصلاة توبة إلى الله(٦)٦).
قال به: ابن خويز منداد، وجوز هذا الوجه: الزمخشري(٧)٧)، وأبوالسعود(٨)٨)، والبيضاوي(٩)٩).
وقد أجيب عن هذا القول بالآتي:
أننا لم نقف على ما يشعر بحمل الركوع هنا على صلاة داود لذلك، وإنما وقفنا على أنه سجد كما في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي- ﷺ - قال في سجدة (ص): "سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً"(١٠)١٠) وغيرها(١١)١١).
القول الراجح:
(٢) انظر: بحر العلوم (٣/١٣٣).
(٣) انظر: التفسير الكبير (٢٥/١٩٨).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى (٢٣/١٢٥).
(٥) انظر: تفسير ابن كثير (٧/٦٠).
(٦) انظر: الكشاف (٣/٣٧١)، والجامع لأحكام القرآن (٥/١٦١).
(٧) انظر: الكشاف (٣/٣٧١).
(٨) انظر: تفسير أبي السعود (٧/٢٢٢).
(٩) انظر: تفسير البيضاوي (٢/٣١٠).
(١٠) ١٠) سيأتي تخريجه عند ذكر أدلة القول الأول من المسألة الثانية.
(١١) ١١) انظر: روح المعاني (١٢/١٧٦).
قال به: ابن عباس في رواية، والكلبي، وأبو بكر بن عياش(١)٥)، وأبو عبيدة(٢)١)، وابن قتيبة(٣)٢)، والفراء(٤)٣)، والنسفي(٥)٤)، والزمخشري(٦)٥)، وجمهور أهل العلم(٧)٦).
و استندوا في هذا القول على اللغة، فقالوا: الأثارة مصدر من قول القائل أثُر الشيء
أثارةً، مثل: سمُج سماجة، وقبُح قباحة، كما قال الراعي النميري(٨)٧):
(٢) انظر: مجاز القرآن (٢/٢١٢).
(٣) انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص٣٥٠).
(٤) انظر: معاني القرآن (٣/٥٠).
(٥) انظر: مدارك التنزيل (ص١١٢٣).
(٦) انظر: الكشاف (٤/٢٩٥).
(٧) نسبه للجمهور: ابن حجر في فتح الباري (٨/٧٣٢).
(٨) الراعي النميري هو: عبيد بن حصين بن معاوية بن جندل النميري، أبو جندل، شاعر من فحول الشعراء، كان من جلّة قومه، ولقب بالراعي لكثرة وصفه الإبل، وكان بنو نمير أهل بيت وسؤدد، وقيل كان راعي إبل من أهل بادية البصرة، عاصر جرير والفرزدق وكان يفضل الفرزدق، فهجاه جرير هجاءاً مراً، وهو من أصحاب الملحمات، مات سنة ٩٠هـ. انظر: الأعلام للزركلي(٤/١٨٨).
الثانية: حكم التنابز بالألقاب.
الثالثة: حكم تلقيب الإنسان بما يحبه.
المسألة الأولى:
أقوال المفسرين في معنى: ﴿ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ﴾ :
النبز في اللغة هو: اللقب، والمراد بالتنابز بالألقاب، أي: التداعي بألقاب السوء المنهي عنها، والتي يسوء الشخص سماعها(١).
وقد اختلف المفسرون في المراد بهذه الألقاب المنهي عن التنابز بها، على أقوال:
القول الأول:
إنه وضع اللقب المكروه على الرجل، ودعاؤه به.
قال به: أبو جبيرة بن الضحاك - رضي الله عنه -(٢).
القول الثاني:
إنه تسمية الرجل بالأعمال السيئة بعد الإسلام، كيا فاسق، يا زاني، يا سارق.
قال به : ابن زيد(٣)، ومجاهد في رواية(٤)، وعكرمة، وقتادة(٥).
القول الثالث:
إنه تعيير الرجل بعد الإسلام بما سلف من شركه، أو باسم دينه الذي كان عليه، كيا يهودي، أو يا نصراني.
(١) أبو جَبيرة - بفتح أوله - هو: ابن الضحاك بن خليفة الأنصاري الأشهلي، لا يعرف اسمه، وقد اختلف في
(٢) صحبته، قال ابن حجر: "أخرج حديثه - سيأتي ذكر حديثه قريبا - البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن، وصححه الحاكم، وحسنه الترمذي، ولفظه: فينا نزلت: (ولا تنابزوا بالألقاب)". انظر: الإصابة (٧/٥٤)، قال الشيخ مقبل الوادعي: "الظاهر ثبوت صحبته، إذ لو كان تابعياً لنبة هؤلاء الذين أخرجوا حديثه؛ أنه مرسل، ومن علم حجة على من لا يعلم". الصحيح المسند من أسباب النزول (ص٢٣٣)، وأثبت صحبته ابن حجر في تهذيب التهذيب (٤/٥٠١).
(٣) انظر: النكت والعيون (٥/٣٣٣)، وزاد المسير (ص١١٨٩).
(٤) انظر: تفسير مجاهد (٢/٦٠٧).
(٥) انظر: تفسير الطبري (٢١/٣٦٩-٣٧٠).
"أولادكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولادكم هنيئاً"......................... ١٧٢
"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم...".......................... ١١٢
"بعثت بالحنيفية السمحة"................................................................................ ١٨٨
"بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر..."............................................................. ٢٥٣
"بل، والذي نفسي بيده إن الشملة التي أصابها يوم خيبر..."............................ ٢٠٠
"تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم"......................................... ١٣٨
"تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب جلدك وأخذ مالك فاسمع وأطع"...................... ١٣٨
"ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن".................................................................... ٧٩
"كيتان"............................................................................................................ ٢٧٣
"خمس صلوات في اليوم والليلة..."........................................................... ٢١٧
"خمس لا يعلمهن إلا الله"............................................................................... ٢٢٥
"خيركم من تعلم القرآن..."........................................................................... ٢
"سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".................................................................... ١١٨
"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... "............................................ ١٧٨
"ستصالحون الروم صلحاً آمناً وتغزون أنتم وهم عدواً..."................................ ٢٤٤
"سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً"............................................................. ٣٣٦
"ما رأيت عورة رسول الله - ﷺ - قط"....................................................................... ٣١٩
"نحن مع من غلب"............................................................................................... ٨٣
"نسخت من هذه السورة - يعني المائدة - آيتان: آية القلائد..."......................... ٢٣٣
"والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع..."................................................... ١٥٥
"يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنيء..."........................................ ١١٨
"يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل..."............................................. ٣٤٢
أبو سلمة بن عبد الرحمن: ٢٠٤، ٢٠٥، ٣٥٠.
أبو سليمان الخطابي: ٤٩.
أبو شامة: ٣٧.
أبو عبد الله بن عامر: ١١٧.
أبو عبدالرحمن السلمي: ٣٣.
أبو عبدالله البريدي ١٢.
أبو عبيدة: ١٣٥.
أبو عبيدة: ١٨٦، ٣٤٩.
أبو عزة: ١٣١.
أبو عمرو الأوزاعي: ١٠٠، ١١٦.
أبو قلابة الرقاشي: ٣٤.
أبو قلابة: ١٦٨، ٢٦٠.
أبو منصور البغدادي: ٩٤.
أبو موسى الأشعري: ١٢٨.
أبو نصر سابور بن أردشير: ٢١.
أبو نعيم: ٣٤، ٦٢، ٧٨.
أبو هريرة: ١١٤، ١٤١، ١٧٨، ١٩٥، ٢٠٤، ٢١٣، ٢٦٨، ٢٢٨، ٢٦٣، ٣٠٠، ٣٥٣.
أبو يعلى: ٢٥٨.
أبو يوسف: ٤٧، ٤٩، ٥١.
أبوالعباس الأصم: ٣٣.
أبوحيان: ٣٣٦.
أبي بن كعب: ٢٠٩، ٢١٠.
الآجري: ٢٠.
أحمد بن الأزهر: ٣٣.
أحمد بن حنبل: ٣٩، ٤٨، ٥٠، ٥١، ٧٨، ٧٩، ٨٣، ١٤٧، ١٩١، ١٩١، ٢٣١، ٢٧٩، ٣٤٠.
أحمد بن محمد العتيقي: ٣٢.
أحمد بن يوسف السلمي: ٣٣.
آدم عليه السلام: ٨٦، ٨٧، ٨٩، ٩٠، ٩٢، ٩٤.
الأزهري: ٩٧، ١٨٧.
أسامة بن زيد: ٢٨٧.
إسحاق: ٢٩٠، ٣٤٠.
أسماء بنت أبي بكر: ٣١٤، ٣١٥.
إسماعيل بن محمد الصفار: ٤٣.
الأشعري: ٣٩.
الأعمش: ١٩.
الآلوسي: ٢٦، ٩٨، ١٢٣، ١٤١، ٢٣٧، ٢٦٩، ٣٥٩.
أم سلمة: ٢٩٢، ٣٠٧.
الإمام ابن أبي حاتم: ١٩.
أنس بن مالك القشيري: ١٤٨.
أنس بن مالك: ٨٧، ١٧٠، ١١٤، ٢١٣، ٢١٤، ٢٨٦، ٣٤٢.
الأوزاعي: ٧٧، ١٩٩، ٢٠٠، ٢٨٧، ٣٠٥.
أيوب العطار: ٣٤.
الباجي: ٣٥، ٤٠، ٤٤، ٤٥.
البخاري: ٨١، ٨٧، ١١٤، ١٢٨، ١٢٩، ١٤١، ١٤٧، ١٥١، ٢٠١، ٢٤٥، ٢٧٠، ٢٧٤، ٢٨٢، ٣٢٩.
البراء ابن عازب: ١٥١، ١٦٨، ٣٤٢.
البربهاري: ٤٧.
البغوي: ٤٣، ٤٤، ٩٨، ١٢٤، ١٦٢، ٢٥٨، ٢٦٠، ٢٨٣، ٣٣٦.
بكر بن عبد الله المزني: ١١٥.
بهز بن حكيم: ٣١٨.
البيضاوي: ٣٣٨.
الترمذي: ٤٣، ٤٤، ٢٩٦.
جابر التغلبي: ٢٩٥.
جابر بن عبد الله: ٧٧، ١٧٠، ١٧٣، ١٩٠، ٢١٣.
الجصاص: ٧٥، ١٠١، ١١٩، ١٢٤، ١٢٦، ١٣٥، ١٤٤، ١٤٧، ١٧٧، ١٨٢، ١٨٨، ١٩٤، ١٩٦، ٢٠٨، ٢١٤، ٢٢١، ٢٢٨، ٢٣٦، ٢٤٣، ٢٥٩، ٢٦٩، ٢٧٦، ٢٨٢، ٢٩٩، ٣١٣، ٣٢٥، ٣٣٣، ٣٥٧، ٣٥٨.
جعفر بن محمد بن شاكر: ٣٤.
٤٢)... إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى بن عياض، دار الوفاء، المنصورة، ط١، ١٤١٩هـ، تحقيق: د. يحيى بن إسماعيل.
(٤٣)... الأم، لمحمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة، بيروت، ط٢، ١٣٩٣هـ.
(٤٤)... الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع، لجلال الدين السيوطي، دار ابن عفَّان، الجيزة، مصر، ط٣، ١٤٢٢هـ، تحقيق: مشهور آل سلمان.
(٤٥)... إنباه الرواة على أنباء النحاة، لعلي بن يوسف القفطي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط١، ١٤٠٦هـ، تحقيق: محمد أبو الفضل.
(٤٦)... الأنساب، السمعاني، دار الفكر، بيروت، ط١، ١٩٩٨م، تحقيق: عبد الله البارودي.
(٤٧)... الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، لأبي الحسن بن علي بن سليمان المرداوي، دار إحياء التراث العربي، ط١، ١٣٧٤هـ، تحقيق: محمد حامد الفقي.
(٤٨)... أنوار البروق في أنواع الفروق، لأحمد بن إدريس القرافي، عالم الكتب، بيروت.
(٤٩)... الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة المقدسي، دار الهدى، القاهرة، ١٣٩٨هـ، تعقليق: عثمان عنبر.
(٥٠)... البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، لزين الدين بن إبراهيم بن نجيم، دار الكتاب الإسلامي.
(٥١)... بحر العلوم، لأبي الليث نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط١، ١٤١٣هـ، تحقيق: علي محمد معوض وعادل عبد الموجود.
(٥٢)... البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي، مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط٢، ١٤١٣هـ.
(٥٣)... البحر المحيط، لمحمد بن يوسف بن علي الشهير بأبي حيَّان، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط١، ١٤٣٣هـ، تحقيق: د. عبد الرزاق المهدي.
(٥٤)... بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لمسعود بن أحمد الكاساني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط٢، ١٤٠٦هـ.
(٥٥)... البداية النهاية، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، دار المعرفة، بيروت، ط٢، ١٤١٧هـ، تحقيق، عبد الرحمن اللاذقي.
الخاتمة:... ٣٦٠ ـ ٣٦٢
الفهارس:... ٣٦٣ ـ ٤٣٠
١- فهرس الآيات القرآنية......................................................................................... ٣٦٤
٢- فهرس الأحاديث................................................................................................. ٣٧٢
٣- فهرس الآثار......................................................................................................... ٣٧٩
٤- فهرس الأعلام...................................................................................................... ٣٨٢
٥- فهرس المصادر والمراجع...................................................................................... ٣٩٨
٦- فهرس محتويات الرسالة....................................................................................... ٤٢٧