وقد أدرك علماء الأمة هذه الحقيقة فكانوا- رحمهم الله- حملة عدولاً ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وأدركوا أن هذا العلم هو المحور الأساس لفهم كتاب الله، فبذلوا جهودهم وأعمارهم في تلقيه وحفظه وتدوينه، ثم بذله وتدريسه، وكان من هؤلاء الإمام العلامة القاضي عياض - رحمه الله -فكان له جهود مباركة في تفسير آيات من القرآن، وتوضيحها، وتبيين ما فيها من المعاني والأحكام والمسائل، فلذلك آثرت بعد الاستعانة بالله وحده، وسؤال أهل العلم أن أقوم بجمع الأقوال التفسيرية التي قالها القاضي عياض من خلال كتبه وترتيبها ودراستها.
فكان موضوع هذا البحث " أقوال القاضي عياض في التفسير ـ عرضاً ودراسة ـ ".
* أهمية الموضوع :
١ـ خدمة كتاب الله تعالى، فإن شرف العلم من شرف موضوعه.
٢ـ المشاركة في خدمة آثار العلماء التي ورثوها لنا، فإن هذا الأمر من الواجب علينا تجاه تلك الجهود العظيمة ـ بعد الدعاء لهم ـ.
٣ـ أن فيه جمعاً لمتفرق، فهو يجمع تلك الفوائد والنفائس التي قالها القاضي عياض في ثنايا كتبه.
٤ـ إخراج تفسير مستقل لهذا الإمام يحمل رأيه، ويكشف عن تفسيره للآيات وتبيين معانيها، خاصة إذا علمنا أن القاضي عياض ـ رحمه الله ـ من أئمة هذا الفن وما يتعلق به من علوم ـ كما سيأتي في ترجمته ـ.
* أسباب اختيار الموضوع :
إن لاختياري مثل هذا الموضوع أسباباً عدة، منها :
١- ما تقدم من أهمية الموضوع.
٢- أن العصر الذي عاش فيه القاضي عياض ٤٧٦ ـ ٥٤٤ هـ. كان عصراً قد عاش فيه ثلة من أهل التفسير ممن ذاع صيتهم، وكانوا أئمة لهذا الفن ومنهم الراغب الأصفهاني ( ت ٥٠٢هـ ) والبغوي ( ت ٥١٦هـ ) والزمخشري ( ت ٥٢٨هـ ) وابن العربي ( ت ٥٤٣هـ) وابن عطية ( ت ٥٤٦هـ ) وغيرهم مما يعطي صورة جلية لازدهار علم التفسير في ذلك العصر، مما يشعر باستفادة القاضي عياض من ذلك.
قال البغوي (١) " قرأ حمزة والكسائي :"مالم تماسوهن" بالألف. " وقرأ الباقون" تمسهوهن" بلا ألف.."
؟ الاهتمام بالأحكام الفقهية المستنبطة من الآيات القرآنية، مع التفاوت في عرض الأقوال والتوجيه، والانتصار للمذهب الذي ينتمي إليه.
قال البغوي (٢)"ولا يقتل مؤمن بكافر ولا حر بعبد ولا والد بولد ولا مسلم بذمي، ويقتل الذمي بالمسلم والعبد بالحر والولد بالوالد هذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ".
* من السمات البارزة الاهتمام باللغة العربية سواء كان في اشتقاق الكلمة أو بيان معناها أو الاهتمام بالإعراب، والاستشهاد بالشعر أو استخراج الأسرار البلاغية مع روعه الأسلوب، وجمال العبارة وقوة المنطق.
قال ابن عطية (٣) :" وقوله:﴿ عِيِسَى﴾ يحتمل من الإعراب ثلاثة أوجه..".
وقال ابن العربي (٤) :" المسألة الثالثة : أمره بعبادته إذا قصر عباده في خدمته، فإن ذلك طبُ علتهم، وهي أشرف الخصال، والتسمي بها أشرف الخطط...". وغير ذلك من السمات...
وهناك سمات أخرى وأخرى تحتاج إلى بحث ودراسة. وطول تأمل.
(٢) في " معالم التنزيل" ١/١٨٩. وانظر "معالم التنزيل" ١٠/٢٧٥، ٤/٦٥، و "الكشاف" ١/٢٧٥، ٣/٢٢٩، و"أحكام القرآن" ١/٤٤٦، ٣/١٣٩، و "المحرر الوجيز" ٢/١٣٣، ٢/٢٢٢.
(٣) في " المحرر الوجيز" ٣/٨٧.
(٤) في " أحكام القرآن" ٣/١١٦. وانظر أمثلة لهذه السمة في "معالم التنزيل" ١٠/١٦٦، ٤/١١٩، و "الكشاف" ١/٧١، ١/٢٢٧، ٣/٦١، و " أحكام القرآن" ١/٣٩٢، ١/٣٩٩، و " المحرر الوجيز" ٢/١٢٨، ٢/٣٠٥، ٣/٨٠.
* "منهج القاضي عياض في العقيدة الإسلامية "لخان أحمد عبد الرحمن، الجامعة الإسلامية، كلية الدعوة وأصول الدين، دكتوراه، ١٤١٤هـ.
* " منهج القاضي عياض في كتابه إعلام المعلم "مع تحقيق جزء منه، لحسين محمد شواط، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين، دكتوراه.
* "المسائل النحوية والتصريفية في كتاب" مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض " جمع ودراسة لخوندكار أبو نصر محمد عبد الله، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية اللغة العربية، ماجستير ١٤٠٨هـ.
وإليك شيئاً من حياة هذا الإمام العالم وسيرته..
* المبحث الأول : نسبه ومولده :
هو الإمام العلامة الحافظ الأوحد، عالم المغرب، شيخ الإسلام، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض بن محمد اليحصبي(١)، السبتي(٢) (٣).
ولد في مدينة سبتة، في شعبان سنة ٤٧٦هـ. (٤)
*المبحث الثاني : نشأته وبيئته.
(٢) ـ نسبة إلى مدينة سَبته، وهي مدينة في بلاد المغرب، مدينة ساحلية مشهورة، شمال غرب المملكة المغربية، في مضيق جبل طارق، انظر " معجم البلدان ٣/١٨٢، "أزهار الرياض" ١/٢٩، "المنجد في الأعلام " لمجموعة من المؤلفين ص٢٩٤.
(٣) ـ انظر التعريف بالقاضي "ص٢، "أزهار الرياض "١/٢٤، "سير أعلام النبلاء" ٢٠/٢١٣، "تذكرة الحفاظ " ٤/١٣٠٤، "البداية والنهاية "١٦/٣٥٢، "طبقات المفسرين" ٢/٢١.
(٤) ـ انظر "التعريف بالقاضي"ص٣، "سير أعلام النبلاء" ٢٠/٢١٣، "العبر"٢/٤٦٧، "البداية والنهاية "١٦/٣٥٢، "شذرات الذهب"٤/١٣٨، "الأعلام" للزركلي٥/٩٩.
والسعدي(١) وغيرهم.
قال الطبري(٢) :" ومعناه نظير معنى قوله :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ في أنه مسألة من العبد ربه بالتوفيق للثبات على العمل بطاعته، وإصابة الحق والصواب، فيما أمره به، ونهاه عنه فيما يستقبل من عمره فأعنا على عبادتك، ووفقنا لما وفقت له من أنعمت عليه ".
وقال ابن القيم(٣)- بعد أن ذكر قسمي الهداية -: " وهما هدايتان مستقلتان، لا يحصل الفلاح إلا بهما، وهما متضمنتان تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلاً وإجمالاً وإلهامنا له، وجعلنا مريدين لاتباعه ظاهراً وباطنا، ثم خلق لنا القدرة على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة، ثم قال: ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة وبطلان قول من يقول : إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية ؟ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم، وما لا نريد فعله تهاوناً وكسلاً مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك. وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام ".
وقال ابن كثير(٤) :" والهداية ها هنا : الإرشاد والتوفيق.. ثم قال(٥) : فإن العبد مفتقر في كل ساعة وحالة إلى الله في تثبيته على الهداية ورسوخه فيها وتبصره، وازدياده منها، واستمراره عليها ".
١ / ٢٢٨، " اللباب في تفسير الإستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب " للدكتور سليمان اللاحم ص ٢٧١.
(٢) في " جامع البيان " ١ / ١٦٦.
(٣) في " مدارج السالكين " ١ / ٣١، " بدائع الفوائد " ٢ / ٣٧.
(٤) في " تفسيره " ١ / ١٣٧.
(٥) " المصدر السابق " ١ / ١٣٩.
هذا المعنى ذهب إليه القاضي وهو انتفاء منافع هذه الحواس عن المنافقين انتفاء معنوياً حيث لم يسخروها فيما خلقت له، وإن كانت موجودة حساً، وهذا المعنى حق وقد دل عليه القرآن كما قال تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف : ١٧٩] وغيرها.
وبهذا المعنى فسر الآية عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم ابن عباس –رضي الله عنهما- وقتادة(١) وبه قال الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن كثير (٤) والسعدي(٥) وغيرهم.
قال ابن عباس :" لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه " (٦).
وقال قتادة " صم عن الحق فلا يسمعونه، عمي عن الحق فلا يبصرونه، بكم عن الحق فلا ينطقون به ".(٧)
............................
ــــــــــــــ
وقال البغوي(٨) -كلاماً بيناً في هذا- :"﴿ صُمٌّ ﴾ أي: هم صم عن الحق لا يقبلونه، وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا، ﴿ بُكْمٌ ﴾ خرس عن الحق لا يقولون، أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق، ﴿ عُمْيٌ ﴾ أي: لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له ".
(٢) في " جامع البيان " ١ / ٣٤٧
(٣) في " معالم التنزيل " ١ / ٦٩..
(٤) في " تفسيره " ١ / ١٨٧.
(٥) في " تيسير الكريم الرحمن " ١ / ٤١ وانظر " الوسيط " ١ / ٩٤، " تفسير القرآن " للسمعاني ١ / ٥٣، " الكشاف " ١ / ٧٥، " زاد المسير " ١ / ٤١، " اجتماع الجيوش الإسلامية " لابن القيم ص ٦٣.
(٦) أخرجه الطبري في " تفسيره " ١ / ٣٤٨. وابن أبي حاتم في " تفسيره " ١ / ٦٤.
(٧) أخرجه الطبري في " تفسيره " ١ / ٣٤٨ وابن أبي حاتم في " تفسيره " ١ / ٦٤ بتحقيق الزهراني.
(٨) في " معالم التتنزيل " ١ / ٦٩.
قال الطبري(١) :" فأما ما قال الذي وصفنا قوله من أنه عنى بقوله ﴿شَهِدَ ﴾ قضى(٢). فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم، لأن الشهادة معنى، والقضاء غيرها ".
المسألة الثانية : تفسيره لقوله :﴿ بِالْقِسْطِ ﴾.
ذهب القاضي إلى أن معنى :﴿ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ ﴾ أي: بالعدل. وهذا المعنى هو الذي تدل عليه اللغة(٣) وعليه عامة أهل التفسير وهو مروي عن مجاهد(٤) وبه قال الطبري(٥) والزجاج(٦) والواحدي(٧) والبغوي(٨) وابن عطية(٩) والقرطبي(١٠) وغيرهم.
قال الطبري(١١):"والقسط هو العدل، من قولهم : هو مقسط، وقد أقسط: إذا عدل ".
وقال ابن عطية(١٢) :" والقسط : العدل ".
(٢) يعني أبا عبيدة معمر بن المثنى.
(٣) انظر " لسان العرب " مادة " قسط "، " القاموس المحيط "، مادة " القسط ".
(٤) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٥ / ٢٨٠.
(٥) في " جامع البيان " ٥ / ٢٧٨.
(٦) في " معاني القرآن وإعرابه " ١ / ٣٨٨.
(٧) في " الوجيز " ١ / ٢٠٢.
(٨) في " معالم التنزيل " ٢ / ١٨.
(٩) في " المحرر الوجيز " ٣ / ٤١.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ٤ / ٤٣.. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٩٠، " تفسير غريب القرآن " ص ١٠٣، " تفسير المشكل من غريب القرآن " لمكي ص ٤٨، " تفسير القرآن " للسمعاني ١ / ٣٠٢، " الكشاف " ١ / ٣٤٣، " زاد المسير "١ / ٣٦٢، " التسهيل " ١ / ١٠٢، " فتح القدير " ١ / ٣٢٥، " فتح البيان " لصديق حسن خان ٢ / ٣١.
(١١) في " جامع البيان " ٥ / ٢٧٨.
(١٢) في " المحرر الوجيز " ٣ / ٤١.
فسر القاضي عياض الهنيء المريء في الآية بأنه الطيب السائغ، وهو الذي عليه عامة المفسرين -وإن اختلفت عباراتهم وألفاظهم ـ منهم الطبري(١) والسمعاني(٢) والبغوي(٣) والزمخشري(٤) وابن عطية(٥) وابن كثير(٦)وغيرهم.
قال البغوي(٧) :" سائغاً طيباً ".
وقال ابن عطية(٨) :" قال اللغويون(٩) : الطعام الهنيء هو السائغ المستحسن الحميد المغبة وكذلك المريء ".
والمقصود من ذلك أن هذا الصداق إن أعطته المرأة زوجها من طيب نفس فهو مستساغ طيب حلال لا إثم فيه، خالص من الشوائب فهذه الألفاظ دالة على التحليل والإباحة، وإزالة التبعة.(١٠)
(٢) في " تفسير القرآن " ١ / ٣٩٧.
(٣) في " معالم التنزيل " ٢ / ١٦٣.
(٤) في " الكشاف " ١ / ٤٧١.
(٥) في " المحرر الوجيز " ٤ / ٢٠.
(٦) في " تفسيره " ٢ / ٢١٣. وانظر " بحر العلوم "١/ ٣٣٣، " الوسيط " ٢ / ١١، " مفاتيح الغيب " ٩ / ١٤٨، " التسهيل " ١ / ١٣٠، " البحر المحيط " ٣ / ٥١٢،"محاسن التأويل " ٢ / ٢٢٨،"التحرير والتنوير " ٣ / ٢٣٢.
(٧) في " معالم التنزيل " ٢ / ١٦٣.
(٨) في " المحرر الوجيز " ٤ / ٢٠.
(٩) انظر " الصحاح " مادة " هنأ "، " لسان العرب " مادة " مرأ "، " هنأ ".
(١٠) انظر " الكشاف " ١ / ٤٧١، " مفاتيح الغيب " ٩ / ١٤٨، " التسهيل " ١ / ١٣٠، " فتح القدير " ١ / ٤٢٢، " محاسن التأويل " ٢ / ٢٢٨.
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله ﴿ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ﴾: أي: رفع الصوت بغير اسم الله عند الذبح. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(١) والبغوي(٢) وابن عطية(٣) والقرطبي(٤) وابن كثير(٥) وغيرهم.
.................................
ـــــــــــــــــ
فالإهلال هو رفع الصوت. ومنه استهل الصبي عند الولادة إذا صاح ورفع صوته بالبكاء.
وأهل بالعمرة : أي: رفع صوته بالتلبية. وكل متكلم رفع صوته فقد أهل واستهل(٦).
والمراد : رفع صوتهم والمناداة بغير اسم الله أو لغير الله عند الذبح.
قال الطبري(٧) :" يعني: وما ذبح للآلهة والأوثان، فسمي عليه غير اسمه أو قصد به غيره من الأصنام، وإنما قيل :﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ ﴾ لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لآلهتهم سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها، وجهروا بذلك أصواتهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك، حتى قيل لكل ذابح ذبح، سمى أو لم يسم، جهر بالتسمية أو لم يجهر، مهل، فرفع أصواتهم بذلك هو الإهلال الذي ذكره الله جل جلاله ".
وقال ابن عطية(٨) :" يعني ما ذبح لغير الله تعالى، وقصد به صنم أو بشر من الناس، كما كانت العرب تفعل وكذلك النصارى، وعادة الذابح أن يسمي مقصوده، ويصيح به، فذلك إهلاله ".
(٢) في " معالم التنزيل " ٣ / ١٠، ١ / ١٨٣.
(٣) في " المحرر الوجيز " ٥ / ٢١.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢ / ٢٢٣.
(٥) في " تفسيره " ٣ / ١٧. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ١٥٠، " تفسير غريب القرآن " ص ١٤٠،" أنوار التنزيل " ١/ ٢٥٤، " التسهيل " ١ / ٦٨، "تيسير الكريم الرحمن" ١/ ٤٥٣، "تفسير القرآن الكريم "لابن عثيمين ٢/٢٥٠.
(٦) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " هلل ".
(٧) في " جامع البيان " ٣ / ٥٥، ٨ / ٥٤.
(٨) في " المحرر الوجيز " ٥ / ٢١.
قال الله تعالى :﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ﴾ [الأنعام : ١٤]
٧٨ / ٣ قال القاضي عياض(١) -في قوله:﴿ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾-"أي: خالقها ".
ــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ أي : خالقها. وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير فهو المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- وقتادة والسدي(٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) وابن كثير(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
يقال : فطره، يفطره فطراً أي: خلقه(٨).
قال الطبري(٩) " مبتدعهما ومبتدئهما وخالقهما ".
وقال ابن كثير(١٠) :" أي: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق ".
قال الله تعالى:﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٣]
٧٩ / ٤ قال القاضي عياض(١١) :" فمن قرأ :﴿لاَ يُكَذِبُونَكَ﴾ بالتخفيف، فمعناه لا يجدونك كاذباً، ومن قرأ بالتشديد فمعناه : لا ينسبونك إلى الكذب ".
ـــــــــــــــ
(٢) أخرجه الطبري في " جامع البيان " ٩ / ١٧٥ - ١٧٦.
(٣) في " جامع البيان " ٩ / ١٧٥.
(٤) في " معالم التنزيل " ٣ / ١٣٢.
(٥) في " المحرر الوجيز " ٦ / ١٥.
(٦) في " تفسيره " ٣ / ٢٤٣.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٢ / ١١. وانظر " مجاز القرآن " ١ / ٢٨٧. ، " بحر العلوم " للسمرقندي ١ / ٤٧٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٢ / ٩١.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " فطر ".
(٩) في " جامع البيان " ٩ / ١٧٥.
(١٠) في " تفسيره " ٣ / ٢٤٣.
(١١) في " الشفا " ١ / ٣١.
قال الزجاج(١):" ومعنى:﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ إلغاء " لا " وهي مؤكدة، المعنى : ما منعك أن تسجد ".
............................
ــــــــــــــ
وقال الزمخشري(٢) :" " لا " في ﴿ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ صلة بدليل قوله :﴿ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص : ٧٥] ومثلها ﴿لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ ﴾ [الحديد : ٢٩] بمعنى : يعلم، فإن قلت : ما فائدة زيادتها؟ قلت : توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه، كأنه قيل : ليتحقق علم أهل الكتاب، وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك؟ ﴿ إِذْ أَمَرْتُكَ ﴾ لأن أمري لك بالسجود أوجبه عليك إيجاباً وأحتمه عليك حتماً لابد لك منه... ".
والشواهد على هذا كثيرة من كتاب الله ومن لغة العرب.(٣)
(٢) في " الكشاف " ٢ / ٨٩.
(٣) انظر " البيان في غريب إعراب القرآن " ١ / ٣٥٥، " الدر المصون " ٥ / ٢٦٢، " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " للشنقيطي ص٢١٥.
ويؤيد هذا القول ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :( اجتنبوا السبع الموبقات، قيل : يا رسول الله : وما هن؟ قال : الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتوّلي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ).(١)
..................................
ـــــــــــــــــ
قال ابن العربي(٢) :" وهذا نص في المسألة يرفع الخلاف ويبين الحكم ".
وقيل : إن الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال : ٦٥-٦٦]، وهو مروي عن عطاء.(٣)
(٢) في " أحكام القرآن " ٢ / ٣٨٧. وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ٧ / ٣٨٢.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١/٨٠ وانظر " الناسخ والمنسوخ في كتاب الله عز وجل " ٢ / ٣٨٦.
وقال ابن كثير(١) :" أي: الذي تعاهدون عليه الناس. والعقود التي تعاملونهم بها ".
قال الله تعالى:﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾[ التوبة : ١٠]
١٢١ / ٢ قال القاضي عياض(٢) :" والإل : القرابة، قال الله تعالى:﴿لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ أي: قرابة ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بـ " الإل " القرابة. وإلى هذا ذهب أكثر المفسرين(٣)، فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما-والضحاك والسدي(٤) وبه قال السمعاني(٥) والواحدي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
وقال بعضهم: إن المعنى : لا يرقبون في مؤمن إلاً أي: الله. وهو مروي عن مجاهد(٨).
وقال بعضهم : إن " الإل " بمعنى : الحلف. وهو مروي عن قتادة(٩) وبه قال الزمخشري.(١٠)
وقال بعضهم : إن " الإل " بمعنى : العهد. وهو مروي عن مجاهد وابن زيد.(١١)
(٢) في " بغية الرائد " ص ١٤٨.
(٣) انظر " تفسير ابن كثير " ٤ / ١١٥.
(٤) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١١ / ٣٥٥ - ٣٥٦ وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ٨ / ٧٩.
(٥) في " تفسير القرآن " ٢ / ٢٠٩.
(٦) في " الوجيز " ١ / ٤٥٤.
(٧) في " تفسيره " ٤ / ١١٥. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ١٨٣، " محاسن التأويل " ٤ / ٩١١.
(٨) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١١ / ٣٥٥. وانظر " تفسير ابن كثير " ٤ / ١١٥.
(٩) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١١ / ٣٥٧. وانظر " معالم التنزيل " ٤ / ١٥.
(١٠) في " الكشاف " ٢ / ٢٥٠ وانظر " محاسن التأويل " ٤ / ٩١.
(١١) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١١ / ٣٥٧ وانظر " زاد المسير " ٣ / ٤٠٢، " الجامع لأحكام القرآن " ٨ / ٧٩.
وقال الطبري(١) :" وخبر عنه أنه لا يعمل أحد من عباده عملاً إلا وهو له شاهد، يحصي عليه ويعلمه، كما قال تعالى :﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ ﴾ يا محمد عمل خلقه، ولا يذهب عليه علم شيء حيث كان من أرض أو سماء وأصله من عزوب الرجل عن أهله في ماشيته، وذلك غيبته عنهم فيها ".
قال الله تعالى:﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [يونس : ١٠٠]
١٣٧-١٣٨ / ٢- ٣ قال القاضي عياض(٢) " ويجيء الرجس بمعنى العذاب، أو العمل الذي يوجبه قال الله :﴿ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن ﴿ الرِّجْسَ ﴾ في الآية العذاب أو العمل الذي يوجب العذاب وعلى هذا أهل التفسير كالطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
ودلت لغة العرب على أن الرجس العذاب أو ما هو سبب العذاب.(٨)
قال الطبري(٩) :" ﴿ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ ﴾ وهو العذاب وغضب الله ".
وقال القرطبي(١٠) :" والرجس : العذاب ".
وقال الشوكاني(١١) :" أي: العذاب أو الكفر أو الخذلان الذي هو سبب العذاب ".
(٢) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢٨٣، " إكمال المعلم " ٧ / ٦٢٥.
(٣) في " جامع البيان " ١٢ / ٣٠٠.
(٤) في " الوجيز " ١ / ٥٠٩.
(٥) في " معالم التنزيل " ٤ / ١٥٣.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٨ / ٣٨٦.
(٧) في " تفسيره " ٤ / ٢٩٨. وانظر " فتح القدير " ٢ / ٤٧٥، " محاسن التأويل " ٤ / ٢٨٣، " تيسير الكريم الرحمن " ٢ / ٣٤٥.
(٨) انظر " لسان العرب " مادة " رجس ".
(٩) في " جامع البيان " ١٢ / ٣٠٠.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ٨ / ٣٨٦.
(١١) في " فتح القدير " ٢ / ٤٧٥.
قال الزجاج(١) :" فأما من قال : ضحكت : حاضت فليس بشيء ".
وقال ابن عطية(٢) :" وهذا القول ضعيف، قليل التمكن ".
بل أنكر بعض اللغويين(٣) أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت. وبهذا يتبين أن المراد بالضحك هو الضحك المعروف، لأن هذا هو المعنى الغالب والمتبادر والظاهر، ولا دلالة تؤيد المعنى غير الظاهر حتى يُذهب إليه.(٤)
قال الله تعالى :﴿وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [ هود : ٧٨]
١٤٠ / ٢ قال القاضي عياض(٥) :" والضيف : اسم الواحد والجميع، يقال : هذا ضيفي وهؤلاء ضيفي وأضيافي وضيفاني وضيوفي، قال الله تعالى:﴿وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾ وكانوا جماعة من الثلاثة، قال الله عنهم :﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ [هود : ٦٩]".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
(٢) في " المحرر الوجيز " ٩ / ١٨٦، وانظر " التسهيل " لابن جزي ٢ / ١٠٩، "إرشاد العقل السليم " ٤/٢٢٥.
(٣) انظر " معاني القرآن " للفراء ٢ / ٢٢، " المحرر الوجيز " ٩ / ١٨٦، " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٦٩، " الدر المصون " ٦ / ٣٥٤.
(٤) من قواعد الترجيح عند المفسرين أنه لا يعدل عن ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه. انظر "قواعد الترجيح عند المفسرين " لحسين الحربي ١ / ١٣٧.
(٥) في " إكمال المعلم " ٦ / ٥٥٥.
١٤٢/٢قال القاضي عياض(١):"وأما قصة يوسف- عليه السلام- فالكلام في تأويلها كثير، وأحسنه قول أبي حاتم(٢)ومن وافقه : أنه ما هم، لأنه رأى برهان ربه، وإنما همت هي والكلام عنده فيه تقديم وتأخير، والمعنى: ولقد همت به، ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها".
١٤٣ / ٣ وقال أيضاً(٣) :" إن الهم إذا وطنت عليه النفس سيئة وأما ما لم توطن عليه النفس من همومها وخواطرها فهو المعفو عنه، وهذا هو الحق فيكون إن شاء الله هم يوسف من هذا، ويكون قوله: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي ﴾: أي: ما أبرئها من هذا الهم أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف بمخالفة النفس لما زكي قبل وبرئ ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي عياض إلى أن المراد بقوله:﴿ وَهَمَّ بِهَا ﴾ إنما هو هم النفس وخواطرها دون أن توطن النفس عليه، فهو مجرد خاطر ولم يخرج إلى العزم. وهذا الأمر معفو عنه الإنسان وغير مؤاخذ به كما جاء في الحديث أن النبي - ﷺ - قال: (يقول الله : إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة )(٤).
(٢) لعله أبا حاتم السجستاني، وكتبه في علم اللغة، فلعل هذا الكلام في أحدها، والمسألة فيها مدخل لغوي.
(٣) في " الشفا " ٢ / ١٦٥.
(٤) أخرجه البخاري في " التوحيد"باب "قول الله :" أنزله بعلمه "، حديث "٧٥٠١ "، ٤ / ٤٠٣. ومسلم في " الإيمان "، " إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب "، "حديث " ١٢٩ " ورقم العام " ٢٠٥ "، ١ / ١١٧.
وقيل : إن النقصان بإسقاط السقط، والزيادة بتمام الخلق(١).
وقيل : النقص والزيادة يرجعان إلى الولد كنقصان إصبع أو غيرها؛ وزيادة إصبع أو غيرها(٢).
وقيل : النقصان انقطاع دم الحيض، وما تزداد بدم النفاس بعد الوضع(٣).
وقيل : تغيض بأن تشتمل على واحد، وتزداد أن تشتمل على توأمين فأكثر(٤).
والآية والله اعلم تحتمل هذه المعاني كلها ؛ لأن الغيض هو النقصان، فالله يعلم كل ما نقص فيها وما زاد.
قال ابن القيم(٥) :" والتحقيق في معنى الآية : أنه يعلم مدة الحمل، وما يعرض فيها من الزيادة والنقصان، فهو العالم بذلك دونكم، .... فهو سبحانه المنفرد بعلم ما في الرحم، وعلم وقت إقامته فيه، وما يزيد من بدنه وما ينقص، وما عدا هذا القول فهو من توابعه ولوازمه كالسقط والتام، ورؤية الدم وانقطاعه ".
وقال الشنقيطي(٦) :" مرجع هذه الأقوال كلها إلى شيء واحد وهو أنه تعالى عالم بما تنقصه الأرحام وما تزيده ؛ لأن معنى تغيض : تنقص، وتزداد أي: تأخذه زائداً، فيشمل النقص المذكور نقص العدد، ونقص العضو من الجنين، ونقص جسمه إذا حاضت عليه فتقلص ونقص مدة الحمل بأن تسقطه قبل أمد حمله المعتاد، كما أن الازدياد يشمل زيادة العضو وزيادة العدد وزيادة جسم الجنين إن لم تحض وهي حامل وزيادة أمد الحمل عن القدر المعتاد، والله- جل وعلا- يعلم ذلك كله، والآية تشمله كله ".
(٢) انظر " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٢٨٦، " فتح القدير " ٣ / ٦٨.
(٣) انظر " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٢٨٦.
(٤) انظر " أضواء البيان " ٣ / ٧٣.
(٥) في " تحفة الودود بأحكام المولود " ص ٢٢٩.
(٦) في " أضواء البيان " ٣ / ٧٣.
وقال أبو حيان(١) :" وكلها أقوال متقاربة ".
قال الله تعالى :﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم : ٣٧].
١٥٩ / ٢ قال القاضي عياض(٢) :" وقد جاء هوى يهوي بمعنى مال، قال الله- عز وجل -: ﴿ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ﴾ ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ تَهْوِيٍ إِلَيْهِمْ ﴾ أي: تميل. وبنحو من هذا ذهب جمهور المفسرين كالطبري(٣) والزجاج(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" يخبر بذلك تعالى ذكره عن خليله إبراهيم أنه سأله في دعائه أن يجعل قلوب بعض خلقه تنزع إلى مساكن ذريته ".
وقال القرطبي(٨) :" أي: تنزع، يقال : هوى نحوه إذا مال ".
(٢) في " إكمال المعلم " ٦ / ٩٧.
(٣) في " جامع البيان " ١٣ / ٦٩٨.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ١٦٥.
(٥) في " معالم التنزيل " ٤ / ٣٥٧.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٣٧٣، وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٢٣٣، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٢٢، " المحرر الوجيز " ١٠ / ٩٣.
(٧) في " جامع البيان " ١٣ / ٦٩٨.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ٩ / ٣٧٣. وانظر " لسان العرب " مادة " هوا ".
والمعنى الأول أقرب ؛ لأنه يعم المعنيين، فالمعنى الثاني داخل فيه.
قال الطبري(١) :" والصواب في ذلك عندي أن الرياح لواقح كما وصفها الله جل ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها حملها الماء، وإلقاحها السحاب والشجر عملها فيه، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- ".
قال الله تعالى:﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ﴾ [الحجر : ٦].
١٦١ / ٢ قال القاضي عياض(٢)- في قوله ﴿وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ﴾-:" أي: أوحينا إليه وأعلمناه".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن قوله: ﴿وَقَضَيْنَا ﴾ بمعنى أوحينا وأعلمنا. وإلى هذا ذهب عامة أهل التفسير منهم الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" يقول تعالى ذكره :" وفرغنا إلى لوط من ذلك الأمر وأوحينا ".
وقال الواحدي(٨) :" أوحينا إليه وأخبرناه ".
قال الله تعالى :﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [الحجر : ٧٢ ].
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢ / ١٩٠.
(٣) في " جامع البيان " ١٤ / ٨٩.
(٤) في " الوجيز " ١ / ٥٩٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٤ / ٣٨٦.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٠ / ١٤١. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٢٣٨، " معاني القرآن الكريم "
٤/ ٣٢، " المفردات " مادة " قضى "، " الكشاف " ٢ / ٥٨٤، " زاد المسير " ٤ / ٤٠٧.
(٧) في " جامع البيان " ١٤ / ٨٩.
(٨) في " الوجيز " ١ / ٥٩٤.
وهناك من قال : إن المراد بالأثقال : أجسام بني آدم وأبدانهم كقوله تعالى :﴿وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾(١) [الزلزلة : ٢].
قال ابن عطية(٢) :" واللفظ يحتمل المعنيين ".
* المسألة الثانية : المراد بقوله :﴿ إِلاَّ بِشِقِّ ﴾.
فسر القاضي قوله :﴿ إِلاَّ بِشِقِّ ﴾ بالكسر بأنه بمعنى : الجهد. وعلى هذا عامة المفسرين وأن الشِق هو : الجهد والمشقة. فهو المروي عن عكرمة وقتادة(٣)، وبه قال الطبري(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) والقرطبي(٧) وغيرهم.
يقال : هم بشِق من العيش أي: بجهد ومشقة(٨).
قال الطبري(٩) :" لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ومشقة عظيمة ".
وقال البغوي(١٠) :" أي: بالمشقة والجهد ".
................................
ـــــــــــــــ
وقال القرطبي(١١) :" وشِق الأنفس : مشقتها وغاية جهدها ".
قال الله تعالى:﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : ٣٢]
(٢) في " المحرر الوجيز " ١٠ / ١٦٢.
(٣) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١٤ / ١٦٩-١٧٠.
(٤) في " جامع البيان " ١٤ / ١٦٩.
(٥) في " معالم التنزيل " ٥ / ٩.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٠ / ١٦٢
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٧١. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٢٤١، " الوجيز " ١ / ٦٠١، " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ١٦٠، " زاد المسير " ٤ / ٤٣٠.
(٨) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " شقق ".
(٩) في " جامع البيان " ١٤ / ١٦٩.
(١٠) في " معالم التنزيل " ٥ / ٩.
(١١) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٧١.
١٧٤ -١٧٥ / ٢ - ٣ قال القاضي عياض(١) - في قوله :﴿ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾:" أي: فعليها ".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن اللام في الآية بمعنى : على. وعلى هذا جمهور المفسرين منهم الواحدي(٢) والبغوي(٣) والقرطبي(٤) وابن كثير(٥) والشنقيطي(٦) وغيرهم.
قال القرطبي(٧) :" أي: فعليها، نحو سلام لك أي: سلام عليك ".
وقال ابن كثير(٨) :" أي: فعليها، كما قال تعالى :﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾[فصلت : ٤٦]. وهناك شواهد أخرى من القرآن.(٩)
ومنه قول الشاعر(١٠):
فخر صريعاً لليدين والفم.
أي: على اليدين وعلى الفم وهذا أحد الأقوال في المراد باللام في الآية.
.............................
ــــــــــــــ
القول الثاني: أن اللام بمعنى إلي، وهو قول الطبري(١١) حيث يقول :" والمعنى فإليها، كما قال :﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ [الزلزلة : ٥ ]. والمعنى أوحى إليها "
(٢) في " الوجيز " ٢ / ٦٢٨.
(٣) في " معالم التنزيل " ٥ / ٧٩.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٢١٧.
(٥) في " تفسيره " ٤ / ٤٨.
(٦) في " أضواء البيان " ٣ / ٣٦٩. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ٢٢٠، " فتح القدير " ٣ / ٢١٠.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٢١٧.
(٨) في " تفسيره " ٤ / ٤٨.
(٩) انظر " مغني اللبيب " لابن هشام ١ / ٢٣٨، " أضواء البيان " ٣ / ٣٦٩.
(١٠) البيت لجابر التغلبي، انظر"شعر بني تغلب في الجاهلية" ص١٥٣. جمع: أيمن محمد. وصدره : تناوله بالرمح ثم اتنى له.
(١١) في " جامع البيان " ١٤ / ٤٧٨، وانظر " البحر المحيط " ٧ / ١٥، " الدر المصون " ٧ / ٣١٦.
قال الله تعالى:﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ﴾ [الكهف : ١١]
١٨٦- ١٨٧/٢ -٣ قال القاضي عياض(١)- في قوله: ﴿فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ﴾-:" أي: أنمناهم وأصله منعناهم السمع بنومهم؛ لأن من نام لا يسمع ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله: ﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ ﴾ أي: أنمناهم وعلى هذا عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
قال القرطبي(٧) :" فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف أي: ألقينا عليهم النوم ".
وقال الزجاج(٨) :" منعناهم أن يسمعوا ؛ لأن النائم إذا سمع انتبه، فالمعنى: أنمناهم ومنعناهم السمع ".
وقال الشوكاني(٩) :" قال المفسرون: أنمناهم والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب عن سماع الأصوات ".
قال الله تعالى:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ [الكهف : ٢٨].
(٢) في " جامع البيان " ١٥ / ١٧٦.
(٣) في " معالم التنزيل " ٥ / ١٥٥.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٠ / ٣٧١.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٠ / ٣٦٣.
(٦) في " تفسيره " ٥ / ١٣٩. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٢٦٤، " معاني القرآن الكريم " ٤ / ٢٢٠، " الوجيز " ٢ / ٦٥٤، " الكشاف " ٣ / ٧٠٥، " البحر المحيط " ٧ / ١٤٤، " فتح القدير " ٣ / ٢٧٢، " أضواء البيان " ٤ / ٢٤.
(٧) في " جامع البيان " ١٥ / ١٧٦.
(٨) في " معاني القرآن وإعرابه " ٣ / ٢٧١.
(٩) في " فتح القدير " ٣ / ٢٧٢.
ذهب القاضي إلى أن المراد بالوحي في قوله: ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ ﴾ أي: الإيماءوالرمز. وهو مشهور في لغة العرب(١)، وعلى هذا عامة أهل التفسير فهو المروي عن مجاهد وقتادة(٢) وبه قال الفراء(٣) والطبري(٤) والبغوي(٥) وابن كثير(٦) وأبو حيان(٧) والشنقيطي(٨) وغيرهم.
قال ابن كثير(٩): " أي : أشار إشارة خفية سريعة ".
وهناك من قال : إن المراد : الكتابة على الأرض وهو مروي عن مجاهد والسدي(١٠) وهو جائز في لغة العرب.(١١)
.........................................
ــــــــــــــــــــ
والقول الأول : هو الأشهر والأشبه بالآية ويؤيده(١٢) قوله تعالى في آية أخرى:﴿ قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً ﴾ [آل عمران : ٤١] والرمز: الإشارة.(١٣)
(٢) أخرجه عنه الطبري " في جامع البيان " ١٥ / ٤٧١ ـ ٤٧٢. وانظر " تفسير ابن كثير " ٥ / ٢١٦.
(٣) في " معاني القرآن " ٢ / ١٦٣.
(٤) في " جامع البيان " ١٥ / ٤٧١.
(٥) في " معالم التنزيل " ٥ / ٢٢١.
(٦) في " تفسيره " ٥ / ٢١٦.
(٧) في " البحر المحيط " ٧ / ٢٤٤.
(٨) في " أضواء البيان " ٤ / ٢٣٧. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص ٢٧٣، " الوجيز " ٢ / ٦٧٧، " محاسن التأويل " ٥ / ٧٢.
(٩) في " تفسيره " ٥ / ٢١٦.
(١٠) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٥ / ٤٧٢. وانظر " تفسير ابن كثير " ٥ / ٢١٦.
(١١) انظر " لسان العرب " مادة: رمز. وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ١١ / ٨٥، " البحر المحيط " ٦ / ١٧٦، " أضواء البيان " ٤ / ٢٣٧.
(١٢) انظر هذا الاستدلال في " الكشاف " ٣ / ٧، " التفسير الكبير " ٢١ / ١٦٢. ، " البحر المحيط " ٧ / ٢٤٤، " فتح القدير " ٣ / ٣٢٤، " روح المعاني " ٨ / ٩١.
(١٣) انظر " لسان العرب "، " القاموس المحيط " مادة " رمز ".
وقيل : إن المعنى : إذا ذكرتني.(١)
.....................................
ـــــــــــــــــ
وذهب جمع من المفسرين- وهو أظهر الأقوال ـ إلى أن المعنى: لتذكرني فيها. فتكون اللام للتعليل. وهو مروي عن مجاهد(٢) وبه قال الطبري(٣)وابن قتيبة(٤)والواحدي(٥)وابن القيم(٦) والقاسمي(٧) والسعدي(٨).
قال الطبري(٩) مشيراً إلى قوة هذا القول وضعف المعنى الأول-:" وأولى التأويلين في ذلك بالصواب تأويل من قال : معناه: أقم الصلاة لتذكرني فيها؛ لأن ذلك أظهر معنييه، ولو كان معناه: حين تذكرها، لكان التنزيل : أقم الصلاة لذكركها، وفي قوله: ﴿ لِذِكْرِي ﴾ دلالة بينة بما على صحة ما قال مجاهد في تأويل ذلك ".
وقال ابن القيم(١٠)- مستظهراً هذا المعنى وأن المعنين (١١) السابقين حق-: " والأظهر أنها لام التعليل. أي : أقم الصلاة لأجل ذكري، ويلزم من هذا أن تكون إقامتها عند ذكره، وإذا ذكر العبد ربه، فذكر الله تعالى سابق على ذكره، فإنه لما ذكره ألهمه ذكره، فالمعاني الثلاثة حق ".
قال الله تعالى:﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ [طه : ٣١]
٢١٤ / ٢ قال القاضي عياض(١٢) ـ في معنى :﴿ أَزْرِي ﴾ـ: " أي : قوني به ".
ــــــــــــــــــــــــ
الدراسة:
(٢) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٦ / ٣٢.
(٣) في " جامع البيان " ١٦ / ٣٢.
(٤) في " تفسير غريب القرآن " ص ٢٧٧.
(٥) في " الوجيز " ٢ / ٦٩٢.
(٦) في " الوابل الصيب " ص ١٥٠.
(٧) في " محاسن التأويل " ٥ / ٩٧.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٢٢٦.
(٩) في " جامع البيان " ١٦ / ٣٢.
(١٠) في " الوابل الصيب " ص ١٥٠.
(١١) أي :" لأذكرك " و " إذا ذكرتني ". كما في " الوابل الصيب " ص ١٥٠.
(١٢) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢٩.
ذهب القاضي إلى أن معنى :﴿ َلا يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي: لا ينقطعون. وبنحو من هذا ذهب عامة أهل التفسير من السلف ومن بعدهم. فهو المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة وابن زيد(١) وبه قال الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) وابن كثير(٥) والسعدي(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" ولا يعيون من طول خدمتهم له "
وقال ابن القيم(٨) :" ولا يستحسرون فيعيون وينقطعون ".
وقال ابن كثير(٩) :" لا يتعبون ولا يملون ".
فهذه المعاني متقاربة ومعناها واحد. فالانقطاع والتعب والإعياء داخلة في معنى الحسر.(١٠)
.........................................
ـــــــــــــــــــ
قال الطبري(١١) :" هذا كله واحد معناه والكلام فيه مختلف ".
وقال القرطبي(١٢) :" والمعنى واحد ".
وقال الشوكاني(١٣) :" وهذه المعاني متقاربة ".
فتفسير القاضي تفسير باللازم، إذ من لازم عدم الإعياء والتعب والملل عدم الانقطاع.
قال الله تعالى :﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾[الأنبياء : ٦٣]
(٢) في " جامع البيان " ١٦ / ٢٤٢.
(٣) في " معالم التنزيل " ٥ / ٣١٣.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٢٨.
(٥) في " تفسيره " ٥ / ٣٣٦.
(٦) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٢٧٢. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٣٦، " تفسير غريب القرآن " ص ٢٨٥، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ١٥٥، " الوجيز " ٢ / ٧١٣، " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ٣٧٣.
(٧) في " جامع البيان " ١٦ / ٢٤٢.
(٨) في " مدارج السالكين " ١ / ١٠٢.
(٩) في " تفسيره " ٥ / ٣٣٦.
(١٠) انظر " لسان العرب "، " مختار الصحاح " مادة " حسر "
(١١) في " جامع البيان " ١٦ / ٢٤٣.
(١٢) في " الجامع لأحكام القرآن " ١١ / ٢٧٨.
(١٣) في " فتح القدير " ٣ / ٤٠٢.
فسر القاضي " الفج " في قوله تعالى :﴿مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ بأنه الطريق الواسع الغامض. وقد دلت اللغة على هذا(١) وإلى هذا المعنى ذهب عامة المفسرين منهم أبو عبيدة(٢) والطبري(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) وغيرهم.
قال ابن عطية(٨) :" والفج : الطريق الواسعة ".
وقال القرطبي(٩) :" والفج: الطريق الواسعة، والجمع فجاج ".
قال الله تعالى:﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾[الحج: ٣٣]
٢٢٩ / ٣ قال القاضي عياض(١٠)- في قوله :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا ﴾- :" ومنه قولهم: بلغت محلها، أي: موضعها ومستحقها، قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ أي: نحرها".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
(٢) في " مجاز القرآن " ٢ / ٤٩.
(٣) في " جامع البيان " ١٦ / ٥١٤.
(٤) في " معالم التنزيل " ٥ / ٣٧٩.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٩٥.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٢ / ٤٠.
(٧) في " تفسيره " ٥ / ٤١٤، وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٣ / ٣٣٤، " الوجيز " ٢ / ٧٣٢، " أحكام القرآن " للجصاص ٣ / ٣٠٣، " فتح القدير " ٣ / ٤٤٨، " محاسن التأويل " ٥ / ١٩٣.
(٨) في " المحرر الوجيز " ١١ / ١٩٥.
(٩) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٢ / ٤٠.
(١٠) في " مشارق الأنوار" ١ / ١٩٥.
ــــــــــــــ
سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[المنافقون: ٢]فسمى شهاداتهم أيماناً وقوله تعالى:﴿ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا ﴾ [المائدة : ١٠٧] ثم بين أن المراد بتلك الشهادة اليمين في
قوله بعد ذلك:﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ [المائدة : ١٠٨] فقوله :﴿ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ دليل واضح على أن المراد بلفظ الشهادة اليمين.(١)
ومن ذلك أنه ورد في إحدى روايات حديث اللعان، وشهادة كل واحد منهما على الآخر قول النبي - ﷺ - :( لولا الأيمان لكان لي ولها شأن )(٢). فسمَّى رسول الله - ﷺ - شهادات اللعان أيماناً(٣).
قال الله تعالى:﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور : ١٦]
(٢) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ٤ / ٣٨٨، حديث ( ٢٧٨٩ ) وأحمد في "مسنده " ٤ / ٣٣، حديث ( ٢١٣١ ) وأبو داود في " الطلاق " باب " في اللعان "، حديث ( ٢٢٥٦ )، ٢ / ٦٨٨. وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند٤/٦، ورقمه (٢١٣١) وحسنه غيره فإن في إسناده عباد بن منصور وإن كان فيه ضعف من جهة حفظه فقد توبع على بعضه وصرح بالسماع عند الطيالسي وغيره وباقي رجاله ثقات. انظر " مسند الإمام أحمد بن حنبل " بتحقيق شعيب الأرنؤوط وكامل الخراط ومحمد نعيم وغيرهم ٤ / ٣٦.
(٣) انظر " أحكام القرآن " لابن العربي ٣ / ٣٥٣، " أضواء البيان " ٦ / ١٣٦.
وقول الجمهور هو الأقرب - كما قال الطبري(١)- :" وأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأوله: ﴿ فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ أعمالهم في الشرك، ﴿ حَسَنَاتٍ ﴾ في الإسلام، بنقلهم عما يسخطه الله من الأعمال إلى ما يرضى، وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القبح، وغير جائز تحويل عين قد مضت بصفة، إلى خلاف ما كانت عليه، إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها، في حال أخرى، فيجب إن فعل ذلك كذلك، أن يصير شرك الكافر الذي كان شركاً في
.................................
ــــــــــــــــ
الكفر بعينه إيماناً يوم القيامة بالإسلام، ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة، وذلك مالا يقوله ذو حجاً ".
ولعل المعنى الثاني يراد منه تبديل حسنات بسبب التوبة التي أحدثوها من سيئاتهم، فيندم ويستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار -كما قال بذلك بعض المفسرين(٢)- وليس المراد أن يجعل مكان كل سيئة حسنة.
قال الزجاج(٣) :" ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة، وتكتب الحسنة مع التوبة ".
(٢) انظر " النكت والعيون " ٤ / ١٥٨، " معالم التنزيل " ٦ / ٩٧، " تفسير ابن كثير " ٦ / ١٢٧.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ٧٦.
ــــــــــــــ
قلنا في ذلك قال أهل التأويل " ثم ذكر ما روي عن ابن عباس ومن بعده، وذكر رواية ابن زيد القائل بأن المعنى: من المخطئين. مما يدل على عدم التنافي.
وقال القرطبي(١) :" أي: من الجاهلين... ثم قال: وأن القتل خطأ أو في وقت لم يكن فيه شرع لا ينافي النبوة ".
قال الله تعالى:﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴾ [الشعراء : ٨٧]
٢٤٠ / ٢ قال القاضي عياض(٢) :" ﴿وَلا تُخْزِنِي ﴾ أي: لا تفضحني ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
فسر القاضي قوله تعالى: ﴿وَلا تُخْزِنِي ﴾ أي: لا تفضحني وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن كثير(٥) والسعدي(٦) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على ذلك، يقال: خَزِيَ يَخْزَى خِزْياً إذا افتضح، فالخزي: الفضيحة(٧).
قال البغوي(٨) :" لا تفضحني ".
وقال الشوكاني(٩) :" أي: لا تفضحني على رؤوس الأشهاد ".
(٢) في " مشارق الأنوار " ١ / ٢٣٤.
(٣) في " جامع البيان " ١٥/ ٥٩٥.
(٤) في " معالم التنزيل " ٦ / ١١٩.
(٥) في " تفسيره " ٦ / ١٤٨.
(٦) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٤٧١. وانظر " الكشاف " ٣ / ٣٢٠، " محاسن التأويل " ٥ / ٣٧٤.
(٧) انظر " لسان العرب " مادة " خزا ".
(٨) في " معالم التنزيل " ٦ / ١١٩.
(٩) في " فتح القدير " ٤ / ١٠٦.
قال ابن كثير(١) :" هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس وتركهم أوامر الله وتبديلهم الدين الحق، يخرج الله لهم دابة من الأرض... ثم قال: وقد ورد في ذكر الدابة أحاديث وآثار كثيرة : ثم ذكر حديث حذيفة ونصوصاً أخرى ".
........................
ـــــــــــــ
وقال السعدي(٢) :" وهذه الدابة هي الدابة المشهورة التي تخرج في آخر الزمان، وتكون من أشراط الساعة، كما تكاثرت بذلك الأحاديث".
وقيل: إن الأقرب أن هذه الدابة إنساناً متكلم يناظر أهل البدع والكفر، ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة(٣).
وهذا قول غريب، ولا دلالة تؤيده.
(٢) في " تيسير الكريم الرحمن " ٣ / ٥٢٠.
(٣) انظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٢٣٧، " فتح القدير " ٤ / ١٥١.
٢٤٣ / ٢ قال القاضي عياض(١)- في قوله تعالى :﴿ فَارِغاً ﴾- :" أي : من كل شيء إلا من ذكره والاهتمام به ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله :﴿ فَارِغاً ﴾ أي: من كل شيء إلا من ذكر موسى عليه السلام والاهتمام به. وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم ابن عباس – رضي الله عنهما- وقتادة والضحاك(٢)، وبه قال الطبري(٣)والزجاج(٤) والنحاس(٥) والبغوي(٦) والواحدي(٧) وغيرهم.
وقال بعض المفسرين: إن فؤادها كان فارغاً من الوحي الذي كان الله أوحاه إليها إذ أمرها أن تلقيه في اليم. وهو مروي عن ابن زيد والحسن وابن اسحاق.(٨)
وقيل: إنه كان فارغاً من الحزن والهم لعلمها أنه لم يغرق. وهو قول أبي عبيدة(٩).
ورُد هذا المعنى بقول الطبري(١٠) :" وهذا القول لا معنى له، لخلافه قول جميع أهل
...............................
ــــــــــــــــ
التأويل " ورد- أيضاً-بأنه كيف يكون هذا؟ والله تعالى قال بعدها :﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾(١١).
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٨ / ١٦٧- ١٦٨. وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٢٥٥، " تفسير ابن كثير " ٦ / ٢٢٣.
(٣) في " جامع البيان " ١٨ / ١٧٠.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ١٣٤.
(٥) في " معاني القرآن الكريم " ٥ / ١٦٠
(٦) في " معالم التنزيل " ٦ / ١٩٤.
(٧) في " الوجيز " ٢ / ٨١٣. وانظر " فتح القدير " ٤ / ١٦٠.
(٨) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ١٨ / ١٦٩. وانظر" المحرر الوجيز " ١٢ / ١٤٧. " الجامع لأحكام القرآن " ١٣ / ٢٥٥.
(٩) في " مجاز القرآن " ٢ / ٩٨.
(١٠) في " جامع البيان " ١٨ / ١٧٠.
(١١) انظر " معاني القرآن الكريم " ٥ / ١٦٠، " تفسير القرآن " للسمعاني ٤ / ١٢٥، " البحر المحيط " ٨ / ٢٨٩.
وقال السعدي(١) :" أي: يسرون وينعمون بالمآكل اللذيذة، والأشربة، والحور الحسان، والخدم والولدان، والأصوات المطربات، والسماع المبهج، والمناظر العجيبة، والروائح الطيبة، والفرح والسرور، واللذة والحبور، مما لا يقدر على وصفه ".
قال الله تعالى:﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الروم : ٢٧]
٢٥٠ / ٢ قال القاضي عياض(٢)- في قوله :﴿ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾- :" أي : هين ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله :﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ أي : هين. وهو المروي عن ابن عباس – رضي الله عنهما- والربيع بن خثيم(٣) (٤)، وبه قال أبو عبيدة(٥) ومال إليه الطبري(٦) وحسنه النحاس(٧) وقالوا : إن هذا الأسلوب وارد في لغة العرب، فقد يجيء أفعل بمعنى الفاعل، ومنه قول الشاعر:(٨)
(٢) في " إكمال المعلم " ١ /. ٥٤٧
(٣) هو : الربيع بن خثيم بن عائذ أبو يزيد الثوري الكوفي، الإمام القدوة العابد، المخبت، أحد الأعلام، قال له ابن مسعود: يا أبا يزيد لو رآك رسول الله - ﷺ - لأحبك " وكان من أورع أصحاب بن مسعود، مات قبل سنة خمسة وستين. انظر " سير أعلام النبلاء " ٤ / ٢٥٨، " حلية الأولياء " ٢ / ١٠٥.
(٤) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ١٨ / ٤٨٥. وانظر " المحرر الوجيز " ١٢ / ٢٥٥.
(٥) في " مجاز القرآن " ٢ / ١٢١.
(٦) في " جامع البيان " ١٨ / ٤٨٧. وانظر " تفسير ابن كثير " ٦ / ٣١٢.
(٧) في " معاني القرآن الكريم " ٥ / ٢٥٦ وانظر " الوجيز " ٢ / ٨٤١.
(٨) البيت للفرزدق انظر " ديوانه " ٢/٣١٨ ص ٧١٤، "مجاز القرآن " ٢/ ١٢١، "معاني القرآن الكريم " ٥ / ٢٥٦.
قال الطبري(١) :" والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله على أهل مسكنة
.................................
ــــــــــــــــ
المسلمين".
وقال ابن عطية(٢) :" والصواب تعميم الشح أن يكون بكل ما فيه للمؤمنين منفعة ".
* المسألة الثانية: معنى قوله تعالى :﴿ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ ﴾
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ سَلَقُوكُم ﴾أي: جهروا فيكم بالسوء من القول. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الفراء(٣) والطبري(٤) والبغوي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
يقال: سلق فلان فلاناً بلسانه: إذا أغلظ له في القول مجاهراً.(٧)
قال الفراء(٨) :"أي آذوكم بالكلام عند الأمن بألسنة حداد ".
وقال الطبري(٩):" عضوكم(١٠) بألسنة ذربة".(١١)
(٢) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ١٥٩. وانظر" تفسير ابن كثير " ٦ / ٣٩٠، " البحر المحيط " ٨ / ٤٦٣،
" تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ١٤٢.
(٣) في " معاني القرآن " ٢ / ٢٣٩.
(٤) في " جامع البيان " ١٩ / ٥٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٦ / ٣٣٥.
(٦) في " تفسيره " ٦ / ٣٩٠. وانظر" معاني القرآن وإعرابه "٤ / ٢٢١، "فتح القدير " ٤ / ٢٧٠، " محاسن التأويل " ٥ / ٤٩٨.
(٧) انظر" الصحاح"، " لسان العرب " مادة " سلق ".
(٨) في " معاني القرآن " ٢ / ٢٣٩.
(٩) في " جامع البيان " ١٩ / ٥٤.
(١٠) العض باللسان : أن يتناوله بما لا ينبغي. انظر لسان العرب مادة " عضض ".
(١١) أي: فاحشة سليطة بذيئة. انظر" الصحاح "، " لسان العرب " مادة " ذرب ".
قال الله تعالى:﴿وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ : ٣٣]
٢٦١ / ٢ قال القاضي عياض - في قوله :﴿ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾- (١):" أي: مكر بالليل والنهار ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن المكر في قوله :﴿ بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ ليس لليل ولا للنهار، بل إن المكر قد وقع فيهما. فقال إن المعنى: مكر بالليل والنهار وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الفراء(٢) والطبري(٣) والزجاج(٤) والبغوي(٥)وابن عطية(٦)والقرطبي(٧)وابن كثير(٨) وغيرهم.
قال الطبري(٩):" بل مكر بنا بالليل والنهار صدَّنا عن الهدى ".
وقال ابن عطية(١٠) :" وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما، ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والدوام، وهذه الإضافة كما قالوا : ليل نائم ونهار صائم ".
قال الله تعالى:﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ [سبأ : ٥٣]
(٢) في " معاني القرآن " ٢ / ٣٦٣.
(٣) في " جامع البيان " ١٩ / ٢٩١.
(٤) في " معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ٢٥٤.
(٥) في " معالم التنزيل " ٦ / ٤٠٠.
(٦) في " المحرر الوجيز" ١٣ / ١٤١.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٤ / ٣٠٢.
(٨) في " تفسيره " ٦ / ٥١٩. وانظر " الوجيز " ٢ / ٥٨٥، " البحر المحيط " ٨ / ٥٥٢، " فتح القدير " ٤ / ٣٢٨، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ١٩٣.
(٩) في " جامع البيان " ١٩ / ٢٩١.
(١٠) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ١٤١.
فسر القاضي العهد في قوله تعالى :﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾ بأنه الوصية. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري (١) والنحاس(٢) والواحدي(٣) والقرطبي(٤) وأبو حيان(٥) وغيرهم.
قال الطبري(٦):"يقول ألم أوصكم وآمركم في الدنيا ألا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله ".
وقال القرطبي(٧):"العهد هنا: بمعنى الوصية، أي: ألم أوصكم وأبلغكم على ألسنة الرسل".
وقد دلت لغة العرب على هذا المعنى، قال في الصحاح(٨) :" العهد: الوصية، وقد عهدت إليه، أي : أوصيته ".
قال الله تعالى:﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ﴾ [يس : ٧٩]
٢٦٥ / ٣ قال القاضي عياض(٩)- في قوله ﴿ أَنشَأَهَا ﴾ -:" أي: ابتدأ خلقها ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿الَّذِي أَنشَأَهَا ﴾ أي : ابتدأ خلقها. وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الطبري(١٠) والواحدي(١١) والبغوي(١٢) والقرطبي(١٣) والشوكاني(١٤) وغيرهم.
يقال: أنشأ الله الخلق أي: ابتدأ خلقهم.(١٥)
(٢) في " معاني القرآن الكريم " ٥ / ٥١١.
(٣) في " الوسيط " ٣ / ٥١٧.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٤٧.
(٥) في " البحر المحيط " ٩ / ٧٧. وانظر " فتح القدير " ٤/ ٣٧٧، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٢٤٣.
(٦) في " جامع البيان " ١٩ / ٤٧٠.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٤٧.
(٨) مادة " عهد ". وانظر " لسان العرب " نفس المادة.
(٩) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٨.
(١٠) في " جامع البيان " ١٩ / ٤٨٨.
(١١) في " الوسيط " ٣ / ٥٢٠.
(١٢) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٩.
(١٣) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٥٨.
(١٤) في " فتح القدير " ٤ / ٣٨٣.
(١٥) انظر " لسان العرب " مادة " نشأ ".
فمن خلال معنى الآية الذي ذهب إليه المفسرون يتبين أن قوله: ﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ صفة لشراب أهل الجنة، وأن قوله :﴿ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ صفة للشاربين وهم أهل الجنة.
قال الطبري(١) :" كان الله تعالى ذكره قد نفى عن شراب الجنة أن يكون فيه غول، فالذي هو أولى بصفته أن يقال : كما قال جل ثناؤه :﴿ لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ فيعم بنفي كل معاني الغول عنه، وأعم ذلك أن يقال : لا أذى فيها، ولا مكروه على شاربيها في جسم ولا عقل ولا غير ذلك ".
وقال ابن عطية(٢) " فنفى عن خمر الجنة جميع أنواع الأذى ".
وقال الطبري(٣) - في الآية الأخرى وارتباطها بأهل الجنة الشاربين لهذا المشروب-"أن أهل الجنة لا ينفد شرابهم، ولا يسكرهم شربهم إياه فيذهب عقولهم ".
وقال ابن عطية(٤) " فهذا كله(٥) منفي عن أهل الجنة ".
* المسألة الثانية : معنى قوله :﴿لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾.
فسر القاضي قوله:﴿لا فِيهَا غَوْلٌ ﴾ أي : لا يغتال عقولهم ويذهب بها ويصيبهم منها وجع وألم وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين فهو المروي عن سعيد بن جبير(٦) وبه قال الطبري(٧) والزجاج(٨) وابن عطية(٩) والقرطبي(١٠)
..................................
ـــــــــــــــــ
(٢) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ٢٣٢.
(٣) في " جامع البيان " ١٩ / ٥٣٥.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ٢٣٣.
(٥) أي من قال إن معنى " ينزفون" ذهاب العقل، أو نفاد الشراب. فهذه الأوصاف منفية عن شراب أهل الجنة.
(٦) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ١٩ / ٥٣٤. وانظر " تفسير ابن كثير " ٧ / ١٣.
(٧) في " جامع البيان " ١٩ / ٥٣٤.
(٨) في " معاني القرآن وإعرابه " ٤ / ٣٠٣.
(٩) في " المحرر الوجيز " ١٣ / ٢٣١.
(١٠) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٧٨.
والأولى أن يقال: إن الآية تشمل ذلك كله، والمعاني فيها تداخل، وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين كالطبري(١) والقرطبي(٢) وابن كثير(٣) وغيرهم وقد جاء عن مجاهد -كلام جميل في هذا - حيث قال :" هو الفصل في الكلام وفي الحكم ".(٤)
وقال الطبري(٥) :" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى داود صلوات الله عليه فصل الخطاب والفصل هو القطع، والخطاب هو المخاطبة، ومن قطع مخاطبة الرجل الرجل في حال احتكام أحدهما إلى صاحبه قطع المحتكم إليه وخصمه بصواب من الحكم، ومن قطع مخاطبته صاحبه إلزام المخاطب في الحكم ما يجب عليه إن كان مدّعياً فإقامة البيّنة على دعواه، وإن كان مدعّى عليه فتكليفه اليمين إن طلب ذلك خصمه، ومن قطع الخطاب أيضاً الذي هو خطبة عند انقضاء قصة وابتداء في أخرى، الفصل بينهما بـ : أما بعد: ".
وقال القرطبي(٦) :"والمعنى في هذه الأقوال متقارب ".
وقال ابن كثير(٧)- بعد قول مجاهد- "وهذا يشمل هذا كله وهو المراد، واختاره ابن جرير ".
قال الله تعالى :﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ﴾ [ص : ٢٢]
٢٧٣ / ٢ قال القاضي عياض(٨)- في قوله :﴿ وَلا تُشْطِطْ ﴾- :" أي: لا تبعد عنه، من قولهم: شطت الدار : إذا بعدت ".(٩)
(٢) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ١٦٢.
(٣) في " تفسيره " ٧ / ٥٩. وانظر" محاسن التأويل " ٦ / ٩٠.
(٤) حكاه عنه ابن كثير في " تفسيره " ٧ / ٥٩.
(٥) في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٢.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ١٦٢.
(٧) في " تفسيره " ٧ / ٥٩. وانظر " الكشاف " ٤ / ١٨٠.
(٨) في " إكمال المعلم " ٥ / ٤٤٠.
(٩) انظر " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " شطط ".
ذهب القاضي إلى أن أكثر المفسرين على أن المراد بالذي جاء بالصدق في قوله تعالى :﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ هو محمد - ﷺ -. وهذا القول هو المروي عن علي وابن عباس – رضي الله عنهم- وقتادة وابن زيد(١).
وقال بعضهم : هم المؤمنون(٢) وهو مروي عن مجاهد.(٣)
والأقرب في هذا: القول بعموم الآية في كل من دعا إلى توحيد الله وأرشد إلى ما شرعه لعباده وإلى هذا ذهب جمع من المحققين، منهم الطبري(٤) والنحاس(٥) وابن عطية(٦) والشوكاني(٧) والسعدي(٨) وغيرهم.
قال الطبري(٩) :" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره عني بقوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ كل من دعا إلى توحيد الله، وتصديق رسوله، والعمل بما ابتعث به رسوله - ﷺ -. من بين رسول الله وأتباعه والمؤمنين به... وإنما قلنا ذلك
...............................
ـــــــــــــــ
(٢) انظر هذا القول في " جامع البيان " ٢٠ / ٢٠٦، " زاد المسير " ٧ / ١٨٢، " تفسير ابن كثير " ٧ / ٩٩.
(٣) أخرجه عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٠ / ٢٠٦، وانظر" الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٢٥٦، " تفسير ابن كثير " ٧ / ٩٩.
(٤) في " جامع البيان " ٢٠ / ٢٠٦.
(٥) في " معاني القرآن الكريم " ٤ / ١٧٥.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٤ / ٨٤.
(٧) في " فتح القدير " ٤ / ٤٦٣.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٣٢٢، وانظر " البحر المحيط " ٩ / ٣٠٢، " محاسن التأويل " ٦ / ١٢٠.
(٩) في " جامع البيان " ٢٠ / ٢٠٦.
ويوضح هذا المعنى(١) ما جاء في حديث(٢) أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :( سمعت رسول الله - ﷺ - يقول :( يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض ؟ ).
(٢) أخرجه البخاري في " التفسير "، باب " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه "، حديث ( ٤٨١٢ )، ٣ / ٢٨٥. ومسلم في " صفات المنافقين وأحكامهم " باب " صفة القيامة والجنة والنار "، حديث ( ٢٣ ) ورقمه العام ( ٢٧٨٧ )، ٤ / ٢١٤٨.
قال الطبري(١):" يقول جل ثناؤه: فقال الله للسماء والأرض : جيئا بما خلقت فيكما، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض
................................
ــــــــــــــــ
فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات، وتشققي عن الأنهار ﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ جئنا بما أحدثت فينا من خلقك ".
وقال القرطبي(٢) :" أي : جيئا بما خلقت فيكما من المنافع والمصالح وأخرجاها لخلقي". وقد جاءت رواية عن ابن عباس(٣)-رضي الله عنهما- وبه قال سعيد بن جبير- كما سبق أن الإتيان بمعنى الإعطاء.
وقد وجه القاضي هذا المعنى- توجيهاً جميلاً- بقوله :" يخرج على تقريب المعنى أنهما لما أمرتا بإخراج ما بث فيهما كان الإعطاء، فعبر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه ".
وكأن القاضي- هنا-لم يشر إلى ما ذكره البخاري في أن الإتيان بمعنى الإعطاء هو حكاية منه لهذا المعنى عن ابن عباس، وقد تعقبه ابن حجر فقال:(٤) " فإذا كان موجهاً، وثبتت به الرواية فأي معنى لإنكاره عن ابن عباس، وكأنه لما رأى عن ابن عباس أنه فسره بمعنى المجيء نفى أن يثبت عنه أنه فسره بالمعنى الآخر، وهذا عجيب فما المانع أن يكون له في الشيء قولان بل أكثر ". لا سيما عند عدم التعارض.
قال الله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [فصلت : ١٢]
(٢) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٥ / ٣٤٣.
(٣) أخرجها عنه الطبري في " جامع البيان " ٢٠ / ٣٩٢، وانظر " معالم التنزيل " ٧ / ١٩٥.
(٤) في " فتح الباري " ٩ / ٥٢٢. بعد أن نقل الحافظ كلام القاضي وقوله " ذكر البخاري في التفسير... الخ " كما ذكرناه في بداية دراسة هذا القول.
٢٨٧ /٢ قال القاضي عياض(١) :" السخرية بكسر السين من الاستهزاء أو الاستجهال، وبضمها من السخرة والتسخير، وقرئ(٢) ﴿ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً ﴾ بالوجهين على المعنيين ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ سُخْرِيّاً ﴾إما من التسخير على قراءة الضم، وإما من الاستهزاء على قراءة الكسر. وإلى المعنى الأول وهو أن ﴿سُخْرِيّاً﴾بالضم(٣) بمعنى : التسخير والاستخدام ذهب عامة المفسرين، فهو المروي عن السدي وابن زيد(٤)، وبه قال الطبري(٥) والواحدي(٦) والبغوي(٧) وأبو حيان(٨) وغيرهم.
قال الطبري(٩) :"يقول يستسخر هذا في خدمته إياه، وفي عود هذا على هذا بما في يده من فضل ".
وقال بعضهم : إن المعنى : ليملك بعضهم بعضاً.
.............................
ــــــــــــــ
فهو المروي عن قتادة والضحاك(١٠).
قال ابن كثير(١١) - عن هذا المعنى- :" وهو راجع إلى الأول ".
(٢) سيأتي الإحالة إلى القراءات.
(٣) هي القراءة المتواترة عن عامة القراء.
(٤) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٨٥، وانظر " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٨٣.
(٥) في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٨٥.
(٦) في " الوجيز " ٢ / ٩٧٣.
(٧) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢١٢.
(٨) في " البحر المحيط " ٩ / ٣٧٠ وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ١٠٠، " الكشاف " ٤ / ٢٨٤، " أنوار التنزيل " ٢ / ٣٧٢، " إرشاد العقل السليم " ٨ / ٤٦، " محاسن التأويل " ٦ / ١٩٠، " تيسير الكريم الرحمن " ٤ / ٤٤٥.
(٩) في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٨٥.
(١٠) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢٠ / ٥٨٥. وانظر " تفسير ابن كثير " ٧ / ٢٢٦.
(١١) في " تفسيره " ٧ / ٢٢٦.
وقال الألوسي(١) :" والعزم يطلق على الجد والاجتهاد في الشيء وعلى الصبر عليه ".
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ أي: لن ينقصكم. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم منهم ابن عباس –رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة وابن زيد والضحاك(١)، وبه قال الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) والشنقيطي(٧) وغيرهم.
فالمعنى: لن ينقصكم ثواب أعمالكم ولن يظلمكم. يقال: وتره حقه إذا نقصه(٨).
قال الطبري(٩) :" يقول: ولن يظلمكم أجور أعمالكم فينقصكم ثوابها ".
وقال ابن الجوزي(١٠) " قال المفسرون : المعنى : لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً ".
...........................
ــــــــــــــ
وقال ابن كثير(١١) " أي: ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها، بل يوفيكم ثوابها، ولا ينقصكم منها شيئاً ".
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٢٢٩.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٩٠.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٨٠.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٦ / ٢٥٦.
(٦) في " تفسيره " ٧ / ٣٢٣.
(٧) في " أضواء البيان " ٧ / ٥٩٨. وانظر " تفسير غريب القرآن " ص٤١١، " الوجيز " ٢ / ١٠٠٥، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ١٨٥، " محاسن التأويل " ٦ / ٢٦١.
(٨) انظر: " الصحاح "، " لسان العرب " مادة " وتر ".
(٩) في " جامع البيان " ٢١ / ٢٢٩.
(١٠) في " زاد المسير " ٧ / ٤١٤.
(١١) في " تفسيره " ٧ / ٣٢٣.
قال الطبري(١) :" وهذه الأقوال متقاربات المعاني، وإن اختلفت ألفاظ أهلها بها، ومعنى التعزير في هذا الموضع التقوية بالنصرة والمعونة، ولا يكون ذلك إلا بالطاعة والتعظيم والإجلال ".
*المسألة الثانية: معنى قوله :﴿وَيوَقِّرُوهُ ُ﴾:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله :﴿وَيوَقِّرُوهُ ُ﴾: أي: يعظمونه. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم، فهو المروي عن ابن عباس –رضي الله عنهما- والضحاك وقتادة(٢). وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن التوقير : التعظيم والإجلال(٧).
قال الطبري(٨) :" وأما التوقير فهو التعظيم والإجلال والتفخيم ".
وقال ابن كثير(٩) :" من التوقير وهو: الاحترام والإجلال والتعظيم ".
وقد استظهر القاضي في آخر قوله- أن قوله: ﴿ وَيُعَزِّرُوهُ وَيوَقِّرُوهُ ُ﴾: في حق النبي - ﷺ - وقوله :﴿ وَيُسَبِّحُوه ﴾ فراجع إلى الله تعالى وإلى هذا ذهب عامة المفسرين.
..............................
ـــــــــــــــ
قال النحاس(١٠) :" فأما قوله :﴿ وَتُسَبِّحُوه ﴾ فلا يجوز أن يكون إلا لله جلَّ وعلا".
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢١ / ٢٥١.
(٣) في " جامع البيان " ٢١ / ٢٥٣.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١٠٠٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٧ / ٢٩٩.
(٦) في " تفسيره " ٧ / ٣٢٩. وانظر " تفسير القرآن للسمعاني " ٥ / ١٩٣، " زاد المسير "٧ / ٤٢٧، "روح المعاني " ١٣ / ٢٥١، " محاسن التأويل " ٦ / ٢٦٧.
(٧) انظر: " لسان العرب " مادة " وقر ".
(٨) في " جامع البيان " ٢١ / ٢٥٣.
(٩) في " تفسيره " ٧ / ٣٢٩.
(١٠) في " معاني القرآن الكريم " ٦ / ٥٠٠.
ذهب القاضي إلى أن المراد بقوله :﴿ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾أي: زدني فإني احتمل الزيادة مستدلاً بأن هذا الأليق بالآية وبالحديث- كما سيأتي- وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم أنس - رضي الله عنه - وابن زيد(١) والطبري(٢) والنحاس(٣) وابن تيمية(٤) وابن القيم(٥) وأبو حيان(٦) والسعدي(٧) وغيرهم.
مستدلين لذلك بالأحاديث الصحيحة(٨)، ومنها: حديث أنس - رضي الله عنه - أن النبي - ﷺ - قال :(يلقى في النار وتقول: هل من مزيد، حتى يضع قدمه فتقول: قط قط ).(٩)
...............................
ـــــــــــــــ
قال الطبري(١٠)"وأولى القولين(١١) في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هو بمعنى الاستزادة هل من شيء أزاده؟ وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لصحة الخبر عن رسول الله - ﷺ -.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٤٦.
(٣) في " إعراب القرآن " ٤ / ٢٣٠.
(٤) انظر " مجموع الفتاوى " ١٦ / ٤٦.
(٥) في " الفوائد " ص ٢٧.
(٦) في " البحر المحيط " ٩ / ٥٣٨.
(٧) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٨٦. وانظر " بحر العلوم " ٣ / ٢٧٢، و " التسهيل " ٤ / ٦٥، "نظم الدرر " ١٨ / ٤٣١، " التحرير والتنوير " ٢٦ / ٣١٨.
(٨) انظر هذه الأحاديث في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٦٢، " المحرر الوجيز " ١٥/ ١٨٣، " التسهيل " ٤ / ٦٥، " تفسير ابن كثير " ٧ / ٤٠٣.
(٩) أخرجه البخاري في" التفسير " باب " وتقول هل من مزيد " حديث " ٤٨٤٨ "، ٣ / ٢٩٦، ومسلم في " الجنة وصفة نعيمها وأهلها " باب " النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء " حديث " ٣٧ "ورقمه العام "٢٨٤٨ "، ٤ / ٢١٨٧.
(١٠) في " جامع البيان " ٢١ / ٤٤٦.
(١١) سيأتي بيان القول الثاني.
٣٠١ / ٢ قال القاضي عياض(١) :" عزاه الله تعالى بما أخبر به عن الأمم السالفة ومقالتها لأنبيائهم قبله، ومحنتهم بهم وسلاه بذلك عن محنته بمثله من كفار مكة، وأنه ليس أول من لقي ذلك ثم طيب نفسه وأبان عذره بقوله تعالى ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ أي: أعرض عنهم. ﴿ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ أي: في أداء ما بلّغت وإبلاغ ما حمّلت ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة:
أشار القاضي حول هذه الآية إلى مسألتين
* المسألة الأولى : تسلية رسول الله - ﷺ - بهذه الآية.
ذهب القاضي إلى أن هذه الآية فيها تسلية لرسول الله - ﷺ - في أن الأنبياء قبلك قد كذبوا كما كذَّبك قومك وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين منهم الطبري(٢) والبغوي(٣) وابن عطية(٤) والقرطبي(٥) وابن كثير(٦) وغيرهم.
قال القرطبي(٧) :" هذا تسلية للنبي - ﷺ -، أي: كما كذبك قومك وقالوا: ساحر أو مجنون، كذب من قبلهم، وقالوا مثل قولهم ".
وقال ابن كثير(٨) :" يقول تعالى مسلياً نبيه - ﷺ - : وكما قال لك هؤلاء المشركون، قال المكذبون الأولون لرسلهم ".
...............................
ـــــــــــــــ
*المسألة الثانية: " معنى قوله :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾.
(٢) في " جامع البيان " ٢١ / ٥٥٠.
(٣) في " معالم التنزيل " ٧ / ٣٧٩.
(٤) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٢٢٣.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٥٤.
(٦) في " تفسيره " ٧ / ٤٢٥. وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٢٦٣، " أضواء البيان " ٧ / ٦٦٩، " فتح القدير " ٥ / ٩١.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٥٤.
(٨) في " تفسيره " ٧ / ٤٢٥.
ذهب القاضي إلى أن أكثر المفسرين على أن الدنو والتدلي منقسم ما بين محمد وجبريل عليه السلام، أو هو مختص بأحدهما، أو من سدرة المنتهى. وهذا العزو من القاضي فيه ما فيه. فإن الذي ذهب إليه عامَّة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم عائشة(١) وابن مسعود(٢) وأبو هريرة - رضي الله عنهم - (٣) والحسن وقتادة(٤) والطبري(٥) والبغوي(٦) وابن عطية(٧) وابن القيم(٨) وابن كثير(٩)
........................
ــــــــــــ
(٢) أخرجه البخاري في " التفسير " باب " فكان قاب قوسين أو أدنى " حديث " ٤٨٥٦ "، ٣ / ٢٩٨. ومسلم في " الإيمان " باب " في ذكر سدرة المنتهى " حديث " ٢٨٠ " ورقمه العام " ١٧٤ "، ١ / ١٥٨.
(٣) أخرجه مسلم في " الإيمان "، باب " معنى قول الله عز وجل " ولقد رآه نزلة أخرى "، حديث " ٢٨٣ "، ورقمه العام " ١٧٥ "، ١ / ١٥٨.
(٤) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢٢ / ١٤.
(٥) في " جامع البيان " ٢٢ / ١٣.
(٦) في " معالم التنزيل " ٧ / ٤٠١.
(٧) في " المحرر الوجيز " ١٥ / ٢٥٩.
(٨) في " زاد المعاد " ٣ / ٣٨، " مدارج السالكين " ٣ / ٣١٩
(٩) في " تفسيره " ٥ / ٨.
وأما على التأويل الثاني :- لو قيل به- إذ كيف يكون بمعنى : خلط : مع أنه قال بعدها :﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾ [الرحمن : ٢٠] فالمعنى-كما قال الشنقيطي-(١): " أنه يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون بينهما حاجزاً من قدرة الله تعالى وهذا محقق الوجود في بعض البلاد ".
قال الله تعالى :﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن : ٢٩]
٣١١ / ٢ قال القاضي عياض(٢)- في قوله :﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾-:" وتقدير ما يرجع إلى كلام المفسرين وأهل العلم فيه، أنه راجع إلى تنفيذ ما قدره وخلق ما سبق في علمه، وإعطائه ومنعه لا إحداث حال أو أمر له أو علم لم يتقدم، بل كل ذلك سابق في علمه وقدره وإرادته، مظهر بعد ذلك منه شيئا على ما سبق في علمه ".
ـــــــــــــــ
الدراسة:
(٢) في " مشارق الأنوار " ٢ / ٢٤٢.
من قول العرب: بسست الإبل أبُسها أي: سقتها.(١)
وذهب بعض المفسرين إلى أن المعنى : نزعت من أماكنها وقلعت وهو قول للحسن.(٢)
ويشهد له(٣) قوله تعالى:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً﴾[طه : ١٠٥].
ولا تنافي بين هذه المعاني، وكتاب الله يشهد لها.
قال القرطبي(٤) :" والمعنى متقارب ".
وقال الشنقيطي(٥) :" وقوله تعالى :﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ﴾ في معناه لأهل العلم أوجه متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً، وكلها حق، وكلها يشهد له قرآن ".
قال الله تعالى :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً ﴾ [الواقعة : ٧]
٣١٨- ٣١٩ / ٢-٣ قال القاضي عياض(٦) :" والزوج : الصنف، ومنه :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
(٢) انظر هذا القول وحكايته عن الحسن في " النكت والعيون " ٥ / ٤٤٧، " الوسيط " ٤/٢٣٢،" تفسير القرآن" للسمعاني ٥ / ٣٤٢، " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ١٩٧، " فتح القدير " ٥ / ١٤٧.
(٣) انظر" أضواء البيان " ٧ / ٧٦٦.
(٤) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ١٩٧.
(٥) في " أضواء البيان " ٧ / ٧٦٤. وانظر " أنوار التنزيل " ٢ / ٤٥٨، " إرشاد العقل السليم " ٨ / ١٨٨.
(٦) في " إكمال المعلم " ٧ / ٤٦٩، " بغية الرائد " ص ١٦٦.
وإلى هذا ذهب عامة أهل العلم من المفسرين وغيرهم منهم الطبري(١) والبغوي(٢) والقرطبي(٣) وابن القيم(٤) وابن كثير(٥) والشوكاني(٦) وغيرهم.
...............................
ـــــــــــــــ
قال الطبري(٧) :" هو ﴿ الأَوَّلُ ﴾ قبل كل شيء بغير حد، و﴿ الآخِرُ ﴾ يقول: والآخر بعد كل شيء بغير نهاية، وإنما قيل ذلك ؛ لأنه كان موجوداً ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها كما قال جل ثناؤه:﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ [القصص : ٨٨]".
وقال القرطبي(٨) :" وقد شرحها رسول الله - ﷺ - شرحاً يغني عن قول كل قائل، فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة... ثم ذكر الحديث ".
وقال الشوكاني(٩) :" وقد فسر هذه الأسماء الأربعة رسول الله - ﷺ - فيتعين المصير إليه ".
وقال السعدي(١٠):" هو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء ".
(٢) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٢.
(٣) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٢٣٦.
(٤) في " زاد المعاد " ٢ / ٤٦١.
(٥) في " تفسيره "٨/٦.
(٦) في " فتح القدير " ٥ / ١٦٥. وانظر " معاني القرآن " للفراء ٣ / ١٣٢. ، " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ١٢٢، " بحر العلوم " ٣ / ٣٢٢، " تفسير القرآن " للسمعاني ٥ / ٣٦٤، " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ١٧٣، وانظر -أيضاً- " الاعتقاد " للبيهقي ص ٦٣، " تفسير الأسماء " للزجاج ص ٥٩، " شرح العقيدة الطحاوية " لابن أبي العز ٢ / ٧٥ " النهج الأسمى " للنجدي ٢ / ١٣٤، ١٣٩.
(٧) في " جامع البيان " ٢٢ / ٣٨٥.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٧ / ٢٣٦.
(٩) في " فتح القدير " ٥ / ١٦٦.
(١٠) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ١٧٣.
٣٣٢ / ٢ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ﴾-: " أي: الامتناع وجلالة القدر".
ـــــــــــــــــ
الدراسة:
ذهب القاضي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ﴾ أي: الامتناع وجلالة القدر.
وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الطبري(٢) والسمعاني(٣) والبغوي(٤) وابن الجوزي(٥) والقرطبي(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" يعني الشدة والقوة ".
وقال السمعاني(٨) :" أي: الغلبة والمنعة والقوة ".
وقال في اللسان(٩)-في معنى " العزة "-:
" القوة والشدة والغلبه | والرفعة والامتناع". |
(٢) في " جامع البيان " ٢٢ / ٦٦١.
(٣) في " تفسير القرآن " ٥ / ٤٤٦.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ١٣٣.
(٥) في " زاد المسير " ٨ / ٢٧٧.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٨ / ١٢٩. وانظر " بحر العلوم " ٣ / ٣٦٦، " الوجيز " ٢ / ١١٠٠، " الكشاف " ٤ / ٥٤٣، " التفسير الكبير " ٣٠ / ١٦.
(٧) في " جامع البيان " ٢٢ / ٦٦١.
(٨) في " تفسير القرآن " ٥ / ٤٤٦.
(٩) مادة " عزز " وانظر " الصحاح " نفس المادة.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد : يوم يكشف الله عن ساقه ـ كما يليق بجلاله ـ منهم الشوكاني(١) والسعدي(٢) وغيرهم.
مستدلين بحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - الطويل وجاء فيه أن النبي - ﷺ - قال :(... فيقول : أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون : الساق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن... الحديث ).(٣)
وقد ذكر بعض المفسرين(٤) حديث أبي سعيد عند هذه الآية.
ويمكن القول : أن كشف الله عن ساقه يوم القيامة- كما يليق بجلاله- ثابت لا مرية فيه كما دل عليه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - غير أن ظاهر الآية لا يدل على ذلك.
قال ابن تيمية(٥) :" لم أجدهم(٦) تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى:﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ فروي عن ابن عباس وطائفة أن المراد: الشدة، وأن الله يكشف الشدة في الآخرة، وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات، للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين. ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات، فإنه قال:﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ نكرة في الإثبات، لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل، إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها، ومفهومها، ومعناها المعروف ".
.........................
(٢) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٢٩١.
(٣) أخرجه البخاري في " التوحيد "، باب " قوله تعالى :" وجوه يومئذ ناضرة "، حديث ( ٧٤٣٩ )، ٤ / ٣٩١ ومسلم في " الإيمان "، باب " معرفة طريق الرؤية "، حديث ( ٢٩٩ )، ورقمه العام ( ١٨٢ )، ١ / ١٦٣.
(٤) كالسمعاني في " تفسير القرآن " ٦ / ٢٨، " وابن كثير في " تفسيره " ٨ / ١٩٨.
(٥) انظر " مجموع الفتاوى " ٦ / ٣٩٤.
(٦) أي: الصحابة- رضي الله عنهم -.
وإما، لأنها تحق كل محاق في دين الله أي: تغلبه، من حاققته فحققته : أي غلبته.
وقيل غير ذلك، ولا تنافي بينها فكلها معان متقاربة ومتداخلة.
*المسألة الثانية: المراد بأسلوب التكرار في قوله :﴿الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ ﴾.
ذهب القاضي إلى أن المراد بأسلوب التكرار التعظيم والتهويل، فالمعنى : أي شيء هي، ما أعظمها وأهولها. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين واللغويين منهم الفراء(١) والطبري(٢) والزجاج(٣) والبغوي(٤) والزمخشري(٥) وأبو حيان(٦) وغيرهم.
قال الطبري(٧) :" ﴿ مَا الْحَاقَّةُ﴾يقول : أي شيء الساعة الحاقة.. والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية ؛ لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها، كأنه عجب منها، فقال : الحاقة ما هي ! كما يقال: زيد ما زيد.. ومثله في القرآن﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴾[الواقعة : ٢٧]، ﴿الْقَارِعَة. مَا الْقَارِعَةُ ﴾ [القارعة : ١- ٢ ]".
وقال الزجاج(٨) :" والمعنى : تفخيم شأنها، واللفظ لفظ استفهام كما تقول زيد ما هو؟، على تأويل التعظيم لشأنه في مدح أو ذم ".
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ ﴾ [الحاقة : ١١]
(٢) في " جامع البيان " ٢٣ / ٢٠٥.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٢١٣.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ٢٠٧.
(٥) في " الكشاف " ٤ / ٥٩٨.
(٦) في " البحر المحيط " ١٠ / ٢٥٤. وانظر " الوسيط " ٤ / ٣٤٣، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٣٤، " زاد المسير " ٨ / ٣٤٥، " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٥٧، " التفسير الكبير " ٣٠ / ٩٠، " إرشاد العقل السليم" ١٠ / ٢١، " فتح القدير " ٥ / ٢٧٩، " محاسن التأويل " ٧ / ١٦٨.
(٧) في " جامع البيان " ٢٣ / ٢٠٥.
(٨) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٢١٣.
والحياء منه بحسب وقاره في القلب ".
وقال الشوكاني(١) :" والمعنى : لا تخافون حق عظمته فتوحدونه وتطيعونه ".
ــــــــــــ
أحدهما : الجد الذي هو أبو الأب، أو أبو الأم، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم الله بهذه الصفة، وذلك أنهم قد قالوا :﴿فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ﴾ [الجن : ٢] ومن وصف الله بأن له والداً أو جداً وهو أبو الأب أو أبو الأم، فلا شك أنه من المشركين. والمعنى الآخر: الجد الذي هو بمعنى: الحظ، يقال : فلان ذو جد في هذا الأمر. إذا كان له حظ فيه.. وهذا المعنى الذي قصده هؤلاء النفر من الجن بقيلهم :﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا ﴾ إن شاء الله، وإنما عنوا أن حظوته من الملك والسلطان والقدرة والعظمة عالية، فلا تكون له صاحبة ولا ولد وقول الحسن ليس ببعيد عنه، إذ دلت لغة العرب أيضاً- على أن الجد بمعنى الغنى(١)، فيكون المراد وصفه سبحانه بالاستغناء عن الصاحبة والولد لعظمته وسلطانه وغناه(٢) ".
قال الله تعالى:﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً ﴾[ الجن : ١١]
٣٤٥ / ٢ قال القاضي عياض(٣) - في قوله :﴿ طَرَائِقَ قِدَداً﴾-": أي : فرقاً مختلفة الأهواء ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
(٢) انظر " إرشاد العقل السليم " ٩ / ٤٣. وانظر " لسان العرب " مادة " جدد ".
(٣) في " إكمال المعلم " ٨ / ٣٩١.
قال الله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ [المزمل : ٢٠ ]
٣٤٨ / ٢ قال القاضي عياض(١)- في قوله :﴿ تُحْصُوهُ ﴾- :" أي: تطيقوه ".
ــــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله تعالى :﴿ تُحْصُوهُ ﴾ أي : تطيقوه. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين منهم الحسن وسعيد وسفيان(٢)، وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والقرطبي(٥) وغيرهم.
قال الطبري(٦) :" علم ربكم أيها القوم الذين فرض عليهم قيام الليل، أن لن تطيقوا قيامه ".
وقال ابن العربي(٧) :" يعني : تطيقوه ".
وقال في اللسان(٨) :" علم أن لن تحصوه : أي : لن تطيقوا ".
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٣ / ٣٩٤.
(٣) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣٩٤.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١٤٧.
(٥) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩/ ٥٣. وانظر "تفسير القرآن " للسمعاني٦/ ٨٤، "التفسير الكبير "٣٠ / ١٦٥، " فتح القدير " ٥ / ٣٢١، "تفسير النسفي " ٤/٣٠٦.
(٦) في " جامع البيان " ٢٣ / ٣٩٤.
(٧) في " أحكام القرآن " ٤ / ٣٣٤.
(٨) مادة " حصي ".
وقال ابن كثير(١) :" أي : متى تعاطاه دنا القطف إليه، وتدلَّى من أعلى غصنه، كأنه سامع مطيع ".
يقال : كفت الشيء إذا جمعه وضمه، ومنه سميت بقيع الغرقد كَفْتة ؛ لأنها مقبرة تضم الموتى(١).
..............................
ـــــــــــــــ
قال الطبري(٢) :" ألم نجعل الأرض كفات أحيائكم وأمواتكم، تكفت أحياءكم في المساكن والمنازل، فتضمهم وتجمعهم، وأمواتكم في بطنها في القبور، فيدفنون فيها ".
وقال الزجاج(٣):" ذات جمع، والمعنى : تضمهم أحياء على ظهورها، وأمواتاً في بطنها".
(٢) في " جامع البيان " ٢٣ / ٥٩٦.
(٣) في " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٦٧.
الإجماع على أن الآية نزلت في ابن أم مكتوم وأن رسول الله - ﷺ - كان يوماً يخاطب بعض عظماء قريش وقد طمع في إسلامه، فبينما هو يخاطبه ويناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم وكان ممن أسلم قديماً فجعل يسأل رسول الله عن شيء ويلح عليه، وودَّ النبي - ﷺ - أن لو كفَّ ساعته تلك، ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل، طمعاً ورغبة في
........................
ــــــــــــ
هدايته، وعبس في وجه ابن أم مكتوم، وأعرض عنه، وأقبل على الآخر، فأنزل الله عز وجل :﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴾". (١)
قال القرطبي(٢) :" الآية عتاب من الله لنبيه - ﷺ - في إعراضه وتوليه عن عبد الله بن أم مكتوم ".
وقال ابن حزم(٣) :" فاشتغل عنه عليه السلام بما خاف فوته من عظيم الخير عما لا يخاف فوته، وهذا غاية النظر في الدين، والاجتهاد في نصرة القرآن في ظاهر الأمر ونهايته التقرب إلى الله، الذي لوفعله اليوم منا فاعل لأجر، فعاتبه الله عز وجل على ذلك، إذا كان الأولى عند الله تعالى أن يقبل على ذلك الأعمى الفاضل البر التقي، وهذا نفسه ما قلناه ".
وقال الشوكاني(٤) :" وهذا الواقع من النبي - ﷺ - هو من باب ترك الأولى فأرشده الله سبحانه إلى ما هو الأولى به ".
قال الله تعالى :﴿فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ﴾ [عبس : ٦]
(٢) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢١٢.
(٣) في " الفصل " ٤ / ٤٧.
(٤) في فتح القدير " ٥ / ٣٨٣.
٣٦٠ / ٢ قال القاضي عياض(١) :" وأد البنات : قتلهن، كما كانت العرب تفعل ذلك غيرة وأنفة أو تخفيفاً للمؤنة، ومنه قول الله تعالى:﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴾".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
ذهب القاضي إلى أن المراد بوأد البنات في قوله:﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ﴾ أي: قتلهن. وأن العرب كانت تفعل ذلك غيرة أو تخفيفاً للمؤنة. وإلى هذا ذهب عامة المفسرين فهو المروي عن قتادة والربيع بن خثيم وابن زيد(٢)، وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) والسعدي(٨) وغيرهم.
يقال : وأد ابنته يئدها وأداً فهي موءودة أي: دفنها في القبر حية.(٩)
قال الطبري(١٠) :" والموءودة : المدفونة حية وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها ".
وقال البغوي(١١) :" وهي الجارية المدفونة حية.. وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة ".
قال الله تعالى :﴿فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ [التكوير : ١٥]
وقال تعالى :﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ [التكوير: ١٩-٢١ ]
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ١٤٧- ١٤٨.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ١٤٧.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١١٧٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٤٨.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٣٢.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٣٣٣.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٧٦. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٨٦، " تفسير غريب القرآن "ص ٥١٦، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٦٦، " فتح القدير " ٥ / ٣٨٩، " محاسن التأويل " ٧ / ٢٦٦.
(٩) انظر " الصحاح "، " لسان العرب" مادة " وأد ".
(١٠) في " جامع البيان " ٢٤ / ١٤٧.
(١١) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٤٨.
٣٦٨ / ٢ قال القاضي عياض(١) :" والحور : الرجوع ومنه قوله تعالى :﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾".
ــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي الحور في قوله تعالى :﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ بأنه الرجوع وإلى هذا ذهب عامة المفسرين، فهو المروي عن مجاهد وقتادة وسفيان(٢) وبه قال الطبري(٣) والبغوي(٤) وابن عطية(٥)والقرطبي(٦) وابن كثير(٧) والسعدي(٨) وغيرهم.
يقال : حار فلان عن هذا الأمر : إذا رجع عنه.(٩)
ومنه قول الشاعر:(١٠)
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رماداً إذ هو ساطع.
قال الطبري(١١) :" ظن في الدنيا أن لن يرجع إلينا ".
وقال ابن عطية(١٢) :" معناه : لن يرجع إلى الله تعالى مبعوثاً محشوراً ".
قال الله تعالى :﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ ﴾ [الانشقاق : ٢٣ ]
٣٦٩ / ٣ قال القاضي عياض(١٣) :" أي : يجمعون في صدورهم من تكذيبك ".
ـــــــــــــــــــ
الدراسة :
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٤٢.
(٤) في " معالم التنزيل " ٨ / ٣٧٥.
(٥) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٢٦٣.
(٦) في " الجامع لأحكام القرآن " ١٩ / ٢٧٣.
(٧) في " تفسيره " ٨ / ٣٥٨.
(٨) في " تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٣٩٢، وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٢٩١، " تفسير المشكل من غريب القرآن " ص ٢٩٨، " الوجيز " ٢ / ١١٨٧، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ١٩٠، " التسهيل " ٤ / ١٨٧، " أنوار التنزيل " ٢ / ٥٨٢، "إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٣٣، " فتح القدير "٥ / ٤٠٧، " محاسن التأويل " ٧/ ٢٩١.
(٩) انظر " لسان العرب " مادة " حور ".
(١٠) البيت للبيد بن أبي ربيعة. انظر " لسان العرب " مادة " حور ".
(١١) في " جامع البيان " ٢٤ / ٢٤٢.
(١٢) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٢٦٣.
(١٣) في " إكمال المعلم " ٧ / ٣٠٠.
والصحيح أن الآية شاملة للمعنيين جميعاً(١)، إذ لا تعارض بينهما فهؤلاء فتنوا المؤمنين بصدهم عن دينهم، كما فتنوهم بإحراقهم، وقصة أصحاب الأخدود تبين صحة هذين المعنيين، ودخولهما في معنى الفتنة إذ جاء فيها ( فأتي الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس فأمر بالأخدود في أفواه السكك فخدت وأضرم النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فاحموه فيها ).(٢)
(٢) هذه القصة أخرجها بطولها مسلم في " الزهد " باب " قصة أصحاب الأخدود والساحر والراهب " حديث
( ٧٣ ) ورقمه العام " ٣٠٠٥ "، ٤ / ٢٢٩٩.
ومثل هذا المعنى قوله تعالى :﴿وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً﴾(١)[الحجر : ٨٢].
...........................
ـــــــــــــ
قال الطبري(٢) :" يقول : وثمود الذين خرقوا الصخر ودخلوه، فاتخذوه بيوتاً".
وقال السمعاني(٣) :" قطعوا ونقبوا ".
وقال ابن كثير(٤) :" يقطعون الصخر بالوادي ".
(٢) في " جامع البيان " ٢٤ / ٣٦٨.
(٣) في " تفسير القرآن " ٦ / ٢٢٠.
(٤) في " تفسيره " ٨ / ٣٩٦.
فسر القاضي المراد البلد في قوله :﴿لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ بأنها مكة بدلالة أن السورة مكية(١). وإلى هذا المعنى ذهب عامة المفسرين من السلف ومن بعدهم. فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- ومجاهد وقتادة وابن زيد(٢) وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) وابن الجوزي(٧) والقرطبي(٨) وابن كثير(٩) وغيرهم.
قال الطبري(١٠) :" أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام وهو مكة ".
...............................
ـــــــــــــــ
بل نقل بعض أهل العلم الإجماع على أن المراد بالبلد في الآية مكة.
قال ابن عطية(١١) :" ولا خلاف بين المفسرين أن البلد المذكور هو مكة ".
وقال القرطبي(١٢) :" والبلد هي مكة أجمعوا عليه ".
(٢) أخرجه عنهم الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٠١- ٤٠٢.
(٣) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٠١.
(٤) في " الوجيز " ٢ / ١٢٠٣.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٢٩.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣٠٣.
(٧) في " زاد المسير " ٩ / ١٢٧.
(٨) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٢٦.
(٩) في " تفسيره" ٨ /٤٠٢. وانظر "البحر المحيط "١٠/ ٤٧٩، "محاسن التأويل " ٧ /٣٢٤، "تيسير الكريم الرحمن " ٥ / ٤١٧، " تفسير القرآن الكريم - جزء عم- "لابن عثيمين ص ٢١٠.
(١٠) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٠١.
(١١) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣٠٣.
(١٢) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٦٠ وانظر " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٢٢٥، " روح المعاني "
٣٠ / ٣٤٩، " أضواء البيان " ٩ / ٢٢٣، " الإجماع في التفسير " لمحمد الخضيري ص ٤٥٩.
٣٧٧ / ٢ قال القاضي عياض(١) :" أي : ما تركك وما أبغضك، وقيل : ما أهملك بعد أن اصطفاك ".
ـــــــــــــــــ
الدراسة :
فسر القاضي قوله: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ أي: ما تركك وما أبغضك وإلى هذا ذهب عامة المفسرين فهو المروي عن ابن عباس-رضي الله عنهما- وابن زيد(٢) وبه قال الطبري(٣) والواحدي(٤) والبغوي(٥) وابن عطية(٦) والقرطبي(٧) وابن كثير(٨) وغيرهم.
وقد دلت لغة العرب على أن الودع : الترك(٩)، وأن القلى : البغض.(١٠)
قال الطبري(١١) :" ومعناه : ما تركك يا محمد ربك، وما أبغضك ".
وقال ابن كثير(١٢) :"وقوله :﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ﴾أي: ما تركك، ﴿ وَمَا قَلَى ﴾ أي: وما أبغضك ".
......................
ــــــــــــ
(٢) أخرجه عنهما الطبري في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٨٤.
(٣) في " جامع البيان " ٨ / ٤٥٤.
(٤) في " الوسيط " ٤ / ٥٠٨.
(٥) في " معالم التنزيل " ٨ / ٤٥٤.
(٦) في " المحرر الوجيز " ١٦ / ٣٢٠.
(٧) في " الجامع لأحكام القرآن " ٢٠ / ٩٤.
(٨) في " تفسيره " ٨ / ٤٢٥. وانظر " مجاز القرآن " ٢ / ٣٠٢، " تفسير غريب القرآن " ص ٥٣١، " معاني القرآن وإعرابه " ٥ / ٣٣٩، " تفسير القرآن " للسمعاني ٦ / ٢٤٣، " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٦٩،
" روح المعاني " ١٥ / ٣٧٤، " فتح القدير " ٥ / ٤٥٧، " فتح البيان " لصديق خان١٠ / ٣٧٧، " محاسن التأويل " ٧ / ٣٣٩، " تفسير القرآن الكريم- جزء عم " لابن عثيمين ص ٢٣٤.
(٩) انظر " لسان العرب " مادة " ودع ".
(١٠) انظر " المصدر السابق " مادة " قلا ".
(١١) في " جامع البيان " ٢٤ / ٤٨٤.
(١٢) في " تفسيره " ٨ / ٤٢٥.
ـــــــــــــ
وقيل : إن المعنى غير ممنون عليهم. وبه قال الزجاج(١) والنحاس(٢).
وهذا المعنى خطأه بعض أهل العلم كابن تيمية(٣) وابن القيم(٤) وابن كثير(٥) والسمين الحلبي.(٦)
وذلك لمخالفته أقوال السلف والجمهور ؛ ولأن منة الخالق على عبده ليست كمنة المخلوق على المخلوق، فيها تكدير للنعمة، بل منة الخالق على عبده فيها تمام النعمة كما قال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ﴾[الحجرات: ١٧]وقال أهل الجنة :﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور : ٢٧].
ومن المفسرين من أدخل هذا المعنى في الآية- مع المعنى الأول- كأبي عبيدة(٧) والألوسي(٨) والقاسمي(٩) وابن عثيمين(١٠) وغيرهم.
قال ابن عثيمين(١١) :" فكلمة :﴿ مَمْنُونٍ ﴾ صالحة لمعنى القطع، وصالحة لمعنى المنة، فهم لهم أجر لا ينقطع، ولا يمن عليهم به، يعني أنهم إذا استوفوا هذا الأجر لا يمن عليهم، فيقال : أعطيناكم وفعلنا وفعلنا، وإن كانت المنة لله عز وجل عليهم بالإيمان والعمل الصالح
............................
ــــــــــــــ
(٢) في " إعراب القرآن " ٥ / ١٨٩. وانظر " الموافقات " للشاطبي ٢ / ٢٥٦.
(٣) في " الرد على من قال بفناء النار " ص ٨٥.
(٤) في " التبيان " ص ٨٦.
(٥) في " تفسيره " ٨ / ٣٦٢.
(٦) في " عمدة الحفاظ " ٤ / ١١٥، مادة " منن ".
(٧) في " مجاز القرآن " ٢ / ٣٠٣.
(٨) في " روح المعاني " ١٥ / ٣٩٧.
(٩) في " محاسن التأويل " ٧ / ٣٥٢.
(١٠) في " تفسير القرآن الكريم -تفسير جزء عم- " ص ٢٥٤. وانظر " إرشاد العقل السليم " ٩ / ١٧٦،" أضواء البيان " ٩ / ٣٣٥.
(١١) في " تفسير القرآن الكريم -تفسير جزء عم - " ص ٢٥٤.
الأول : أنه نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمداً - ﷺ -. وإلى هذا ذهب جمع من أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم منهم ابن عمر وعائشة وأنس وابن عباس –رضي الله عنهم- ومجاهد وأبو العالية(١)، وبه قال الطبري(٢) وابن حجر(٣) والألوسي(٤)
............................
ــــــــــــــ
والشوكاني(٥) وغيرهم.
وقد دلت النصوص الكثيرة على أن الكوثر هو نهر في الجنة(٦). ومن ذلك ما جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال :( لما عرج بالنبي - ﷺ - إلى السماء، قال : أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ مجوف، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر )(٧).
ومن ذلك- أيضاً - ما جاء عن أنس - رضي الله عنه - قال :( بين رسول الله - ﷺ - بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه مبتسماً، فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ { ١ ﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ } ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم : قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير... ).(٨)
(٢) في " جامع البيان " ٢٤ / ٦٨٥.
(٣) في " فتح الباري " ٩ / ٧٥٧.
(٤) في " روح المعاني " ١٥ / ٤٧٩.
(٥) في " فتح القدير " ٥ / ٥٠٣.
(٦) انظر هذه النصوص في " جامع البيان " ٢٤ / ٦٨٥-٦٩٠، " تفسير ابن كثير " ٨ / ٤٩٩- ٥٠٢.
(٧) أخرجه البخاري في " التفسير "، " سورة إنا أعطيناك الكوثر "، حديث ( ٤٩٦٤ )، ٣ / ٣٣١.
(٨) أخرجه مسلم في " الصلاة " باب " صحة من قال : البسملة : آية من أول كل سورة، سوى براءة "، حديث ( ٥٣ )، ورقمه العام (٤٠٠ )، ١ / ٣٠٠.
٨- أن المتأمل لأقوال القاضي التفسيرية يتبين له قوة القاضي، وأنه ذا شخصية مستقلة، يتضح ذلك من خلال استنباطاته الدقيقة، وتفنيده للروايات الباطلة، ورده على غرائب بعض المفسرين، وكذلك ترجيحه بين الأقوال، وجمعه بين الآراء التي ظاهرها التعارض، وأجوبته على الإشكالات وغير ذلك.
وفي الختام :
فإني لا أدعي أني قلت الكلمة الأخيرة في تفسير القاضي عياض، فإن القاضي له أراؤه المتميزة، واستنباطاته الدقيقة، واجتهاداته القيمة، التي تحتاج إلى طول تأمل وإمعان...
فرحم الله القاضي عياضاً، وغفر له ذنبه، وأجزل له الأجر والثواب، وعفا عنه كل خطأ وزلل، وأدخله بمنه وفضله فردوسه الأعلى....
كما أسأله سبحانه أن يلهمنا رشدنا، ويوفقنا لاتباع كتابه وسنة رسوله - ﷺ -، والسير على منهج السلف الصالح، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا ولمشايخنا ولجميع المسلمين، وأن يصلح نياتنا وأزواجنا وذرياتنا إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،
والحمد لله رب العالمين.