إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}. ومن هنا كان ﷺ جامع القرآن في قلبه الشريف وسيد الحفاظ في عصره المنيف. ومرجع المسلمين في كل ما يعنيهم من أمر القرآن وعلوم القرآن. وكان ﷺ يقرؤه على الناس على مكث كما أمره مولاه وكان يحيي به الليل ويزين الصلاة. وكان جبريل يعارضه إياه في كل عام مرة. وعارضه إياه في العام الأخير مرتين. قالت عائشة وفاطمة رضي الله عنهما: سمعنا رسول الله ﷺ يقول: "إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي".
وأما الصحابة رضوان الله عليهم فقد كان كتاب الله في المحل الأول من عنايتهم. يتنافسون في استظهاره وحفظه. ويتسابقون إلى مدارسته وتفهمه. ويتفاضلون فيما بينهم على مقدار ما يحفظون منه. وربما كانت قرة عين السيدة منهم أن يكون مهرها في زواجها سورة من القرآن يعلمها إياها زوجها. وكانوا يهجرون لذة النوم وراحة الهجود إيثارا للذة القيام به في الليل والتلاوة له في الأسحار والصلاة به والناس نيام حتى لقد كان الذي يمر ببيوت الصحابة في غسق الدجى يسمع فيها دويا كدوي النحل بالقرآن وكان الرسول ﷺ يذكي فيهم روح هذه العناية بالتنزيل يبلغهم ما أنزل إليه من ربه. ويبعث إلى من كان بعيد الدار منهم من يعلمهم ويقرئهم كما بعث مصعب بن عمير وابن ام مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته يعلمانهم الإسلام ويقرئانهم القرآن وكما أرسل معاذ بن جبل إلى مكة بعد هجرته للتحفيظ والإقراء.
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي ﷺ إلى رجل منا يعلمه القرآن وكان يسمع لمسجد رسول الله ﷺ ضجة بتلاوة القرآن حتى أمرهم رسول الله أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا.


الصفحة التالية
Icon