ثانيا: أن الحجارة وسعف النخل والعظام التي كتب عليها بعض آيات القرآن لم تكن بحيث يمكن أن يتخيل أولئك الطاعنون أو يخيلوا إلى الناس أنها لا تصلح للكتابة عليها بل كانت العرب لبداوتها ولبعدها عن وسائل الحضارة والعمران تصطفي من أنواع الحجارة الموفورة عندها نوعا رقيقا يكون كالصحيفة يصلح للكتابة وللبقاء أشبه بما نراه اليوم من الكتابة الجميلة المنقوشة على صفحات مصنوعة مما نسميه الجبس.
وكذلك سعف النخل يكشطون الخوص عنه ويكتبون في الجزء العريض منه بعد أن يصقلوه ويهذبوه فيكون أشبه بالصحيفة. وقل مثل هذا في العظام بدليل أن الروايات الواردة في ذلك نصت على نوع خاص منه وهو عظام الأكتاف وذلك لأنها عريضة رقيقة ومصقولة صالحة للكتابة عليها بسهولة.
ثالثا: أن استنتاجهم من هذا كون القرآن الحالي لا يحتوي جميع الآيات التي نطق بها محمد استنتاج معكوس وفهم منكوس لأن كتابة القرآن وحفظه في آن واحد في صدور آلاف مؤلفة من الخلق أدعى إلى بقاء ذلك القرآن وأدل على أنه لم تفلت منه كلمة ولا حرف. كيف وأحد الأمرين من الكتابة والحفظ كاف في هذه الثقة فما بالك إذا كان القرآن كله مكتوبا بخطوط أشخاص كثيرين ومحفوظا في صدور جماعات كثيرين.
رابعا: قولهم: وبعضها يختلف في القراءة واللفظ والمعنى إن أرادوا به الطعن في تعدد القراءات واختلاف وجوه الأداء فقد سبق في مبحث نزول القرآن على سبعة أحرف ما يكفيك في الرد عليهم وسيأتيك في مبحث القراءات ما يزيدك تنورا في هذا الموضوع وإن أرادوا به شيئا آخر فعليهم البيان. وحسبك أن تعرف أن اختلاف حروف القرآن أمر تقتضيه الحكمة ويوجبه عموم الدعوة الإسلامية. خصوصا لمن شافههم الرسول عليه الصلاة والسلام وهم على اختلاف قبائلهم وتنوع


الصفحة التالية
Icon