ذلك لأنه كان ﷺ أفصح الناس لسانا وأوضحهم بيانا وأجودهم إلقاء ينتقي عيون الكلام وهو الذي أوتي جوامع الكلم ويفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه ويفصله تفصيلا يراعي فيه المقام والأفهام ولا يسرد الحديث سردا يزري برونقه أو يذهب بشيء منه بل يتكلم كلاما لو عده العاد لأحصاه. وكان يعيد الكلمة ثلاثا أو أكثر من ثلاث عند الحاجة كيما تحفظ عنه كما جاء في صحيح مسلم أنه ﷺ قال: "هلك المتنطعون" قالها ثلاثا. وكما جاء في حديث البخاري ومسلم أنه ﷺ قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" ثلاثا قلنا: بلى يا رسول الله قال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين ألا وقول الزور وشهادة الزور" - وكان متكئا فجلس- فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
ومن هديه ﷺ أنه كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين" ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ويقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة". ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا١ فإلي وعلي" رواه مسلم.
ومن وسائل إيضاحه ﷺ أنه كان يضرب لهم الأمثال الرائعة التي تجلي لهم المعاني كأنها العروس بارعة ليلة الزفاف أو الشمس ساطعة ليس دونها سحاب. تأمل قوله وهو يضرب المثل في ضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطر إهمالهما ثم قل لي بربك: هل يبارح ذاكرتك هذا التمثيل البديع؟.
١ الضياع بفتح الضاد: يستعمل مصدرا لضاع، ويستعمل اسما بمعنى العيال أو الضائعين منهم. قال في القاموس: والضياع أيضا العيال، أو ضيعهم ا. هـ ولا يخفى أن المعنى المصدري غير مراد هنا.