من مفردات القرآن التي فيها غرابة وإبهام ومن يكتب في مجاز القرآن يقتفي أثر كل لفظ فيه مجاز أيا كان نوعه في القرآن ومن يكتب في أمثال القرآن يتحدث عن كل مثل ضربه الله في القرآن وهكذا سائر أنواع علوم القرآن. ولا ريب أن تلك المجهودات الجبارة لا يتهيأ لإنسان أن يحيط بها ولو أفنى عمره واستنفد وسعه.
لهذا اشرأبت أعناق العلماء أن يعتصروا من تلك العلوم علما جديدا يكون كالفهرس لها والدليل عليها والمتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه علوم القرآن بالمعنى المدون.
ولا نعلم أن أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون لأن الدواعي لم تكن موفورة لديهم نحو هذا النوع من التأليف. وإن كنا نعلم أنها كانت مجموعة في صدور المبرزين من العلماء على الرغم من أنهم لم يدونوها في كتاب ولم يفردوها باسم.
أجل: كانت علوم القرآن مجموعة في صدور المبرزين من العلماء. فنحن نقرأ في تاريخ الشافعي رضي الله عنه أنه في محنته التي اتهم فيها بأنه رئيس حزب العلويين باليمن وسيق بسبب هذه التهمة إلى الرشيد مكبلا بالحديد في بغداد سأله الرشيد حين لمح علمه وفضله فقال: كيف علمك يا شافعي بكتاب الله عز وجل فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به. فقال الشافعي: عن أي كتاب من كتب الله تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله تعالى قد أنزل كتبا كثيرة. قال الرشيد: قد أحسنت لكن إنما سألت عن كتاب الله المنزل على ابن عمي محمد صلى الله عليه وسلم. فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة فهل تسألني عن محكمه ومتشابهه أو عن تقديمه وتأخيره أو عن ناسخه ومنسوخه أو عن؟؟ أو عن وصار يسرد عليه من علوم القرآن ويجيب على كل سؤال بما أدهش الرشيد والحاضرين.
فأنت ترى من جواب الشافعي هذا ومن فلجه بالصواب في هذا الموقف الرهيب،


الصفحة التالية
Icon