لا يأذن له ولا ينظر إليه. فقال يا بن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله ﷺ ولا تسمع فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
ومن هذا الورع البالغ والحذر الدقيق تحرج كثير من أكابر الصحابة عن الرواية والتحديث فلم يسمع منهم إلا النزر اليسير مع أن لديهم من رسول الله الغمر الكثير. يحدث ابن الزبير رضي الله عنه فيقول: قلت لأبي: ما لي لا أسمعك تحدث عن رسول الله ﷺ كما يحدث فلان وفلان؟ فقال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت ولكني سمعته يقول: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". رواه البخاري وأبو داود.
وإذا كان هذا مظهرا من مظاهر حذرهم واحتياطهم للسنة النبوية فماذا تقدر من مظاهر حذرهم واحتياطهم لكتاب الله العزيز؟ إني أعتقد أنك إذا رجعت إلى أدلة نزول القرآن على سبعة أحرف تشاهد العجب العاجب من روائع هذه المظاهر.
فهذا عمر يأخذ بخناق هشام بن حكيم ويسوقه إلى النبي ﷺ وما نقم عليه إلا أنه قرأ سورة الفرقان على وجه لم يقرأه عمر ولم يكن يعرف عمر أنه هكذا نزل ولم يرسل عمر هشاما حتى انتهى به إلى رسول الله ﷺ وأمره الرسول أن يرسله ثم استقرأهما عليه الصلاة والسلام وقال في قراءة كليهما: "هكذا أنزلت". وقال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه" هذا ملخص ما كان بين عمر وهشام ومثل ذلك وقع من أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهما مع أصحابهم مما تعرضه عليك الروايات المبسوطة هناك في هذا الموضوع.


الصفحة التالية
Icon