والجواب: أن عامة البشر ليس لديهم استعداد لتلقي الوحي عن الله لا مباشرة ولا بواسطة الملك حتى لو جاءهم ملك لم يستطيعوا رؤيته إلا إذا ظهر في صورة إنسان وحينئذ يعود اللبس ويبقى الإشكال. فقضت الحكمة أن يجعل الله من بني الإنسان طائفة ممتازة لها استعداد خاص يؤهلها لأن تتلقى عن الله الوحي ثم تؤديه في أمانة إلى العامة من إخوانهم في الإنسانية بعد أن وضع الله في أيديهم شواهد الحق الناطقة التي تدل العالم على مراده سبحانه من تصديقهم وبعد أن سلحهم بالآيات التي تطمئن الناس على أنهم رسل لإنقاذهم وإرشادهم من عند ربهم. ثم إن اختصاص بعض أفراد النوع الإنساني بالوحي والنبوة فيه نوع من الاختبار والابتلاء الذي بنى الله عليه هذه الحياة وميز به الخبيث من الطيب. ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
وتلك الشبهة يقول الله في مثلها من سورة الأنعام: ﴿وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾.
الشبهة السادسة يقولون: كيف تدل المعجزة على تصديق الله لرسله مع أننا ما رأينا الله وما سمعناه.
والجواب: أن دلالة المعجزة على تصديق الرسول كدلالة الكون على خالقه مع أننا ما رأينا الله وما سمعناه ولنضرب لهم المثال كيلا تبقى لهم شبهة ولا يقوم لهم عذر افرض أنك حضرت مجلسا عاما فيه ملك من الملوك وكان من تقاليد هذا الملك ألا يكشف رأسه في مجلس من المجالس العامة وبينما القوم جلوس في حضرة صاحب الجلالة إذ نهض رجل من الحاضرين معروف للجميع بصدقه وأمانته وأدبه واستقامته وحسبه ونسبه. وإذا هذا الرجل يقول على مرأى ومسمع من المليك ورعيته: أيها القوم إن مولاي الملك حملني هذه الرسالة أبلغكم إياها وهي أن تفعلوا