ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ (النساء: من الآية١). حيث يقول: (( قرأ حمزة ﴿وَالأَرْحَامِ﴾ بالجر، ونصبه الباقون، فمن نصبه احتمل نصبه وجهين: أحدهما: أن يكون معطوفاً على موضع الجار والمجرور والآخر: أن يكون معطوفاً على قوله-سبحانه-: ﴿ اتَّقُوا ﴾ التقدير: اتقوا الله واتقوا الأرحام. ومن جر عطفه على الضمير المجرور بالباء، وقد كان سيبويه يرجح قراءة النصب، إلا أني أرى قراءة الجر رواية فلا يمكن إنكارها، وقد ذكر بعض النحاة أن وجه الجر ههنا أن يكون على القسم، وقد زيَّف النحاس هذا الوجه وقال: إن القسم بغير الله لا يجوز. ولعل النحاس شَدِه عن ذلك، وإلا فالوجه فيه ظاهر، وذلك أن هذا القسم الله - سبحانه - هو الذي أقسم به وله-عز وجل- أن يقسم بما شاء من خلقه، والله- عز وجل- قد أقسم بالليل والشمس والقمر وغير ذلك، وإنما المخلوقون لا يجوز لهم أن يقسموا بغير ربهم- جل وعز- (١))).
وفي قوله-سبحانه-: ﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ (النساء: من الآية٢٤). قال ابن هبيرة: (( الأصل في ذلك أن الرجل إذا تزوج المرأة أحصنها، ومعنى أحصنها أعفّها فصار لها حصنا مانعا، فهذه القراءة هي الأصل أن تكون ﴿ الْمُحْصَنَات ﴾ مفعولات لأن الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )) اهـ(٢).
وقال أيضاً: (( ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا ﴾ إنه على التقديم والتأخير، أي: جعلنا مجرميها أكابر(٣))).
(٢) الإفصاح(الجزء الخامس[مخطوط]٨١ب، ٨٢أ)...
(٣) الذيل على طبقات الحنابلة(١/٢٧٤)...