ويقول أيضاً: ((قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى﴾ (يس: من الآية٢٠). فرأيت الفائدة في تقديم ذكر الرجل وتأخيره: أن ذكر الأوصاف قبل ذكر الموصوف أبلغ في المدح من تقديم ذكره على وصفه؛ فإن الناس يقولون: الرئيس، الأَجَلُّ فلانٌ. فنظرت الذي زيد في مدحه، وهو صاحب يس، أمر بالمعروف، وأعان الرسل، وصبر على القتل، والآخر إنما حذَّر موسى من القتل، فسلم موسى بقبول مشورته، فالأول هو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والثاني هو ناصح الآمر بالمعروف، فاستحق الأول الزيادة. ثم تأملت ذكر أقصى المدينة فإذا الرجلان جاءا من بُعد في الأمر بالمعروف، ولم يتقاعدا لبُعد الطريق(١))).
خامساً: استشهاده بالشعر، وهو مقلٌ في ذلك:
ومنه ما ذكره في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ (الأنعام: من الآية٥٢). حيث قال: (( وفي هذا دليل على أنهم كانوا من أهل محبة الله-عز وجل- لقصدهم وجهه –سبحانه-وذلك أن أطيب الزمان وألذه هو الغدوات والعشيّات، فإذا طاب لهم زمانهم تمنوا أن يقطعوه بذكر ربهم-سبحانه-وقد قالت الشعراء في هذا المعنى الأقوال التي يُذكر بعضها ليُستدل به على المقصود كقول بعضهم:
أُحِبُكِ أَطْرافَ النَّهارِ بَشَاشَةً...
وقول الآخر:
أَجَدَّ لنا طِيبُ المكانِ وحُسْنُهُ مُنىً فتَمنَّيْنا فكُنتِ الأمَانِيا (٢))).
المبحث الخامس: اهتمامه بأسباب النزول:
لمعرفة أسباب النزول أهمية كبيرة، فهي مما يعين على فهم الآيات وتوضيح معانيها.
(٢) الإفصاح (١/٣٦٥)...