لقد كان ابن هبيرة -كما مر- من المعظمين لمنهج السلف في الأخذ بالسنة والإعراض عما سواها، ومن ذلك اهتمامه بمنهج الصحابة والتابعين في الصفات، فهو يقرر أنه يجب إثبات ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله - ﷺ -، ونفي ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله - ﷺ - من غير تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل(١).
ومن الأمثلة على هذا قوله: (( تدبَّرت قوله تعالى: ﴿ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ﴾فرأيت لها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته، ويُسَلِّم الأمر إلى مالكه.
والثاني: أنه يعلم أنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم، إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده.
والثالث: أنه رد على الفلاسفة، والطبائعيين، الذين يدَّعون القوى في الأشياء بطبيعتها، فإن هذه الكلمة بيَّنت أن القويَّ لا يكون إلا بالله(٢))).
وقال أيضاً: (( قوله-سبحانه-: ﴿ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ (فصلت: من الآية٢٢). فأخبرهم أنه-سبحانه وتعالى-يعلم والعلم محيط بما يُسمع وما لا يُسمع، فكان قوله-سبحانه-: ﴿ يَعْلَمُ ﴾ ههنا أبلغ من السمع ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ﴾ أي: أهلككم جهلكم بالله-سبحانه-في تشبيهكم إياه بخلقه، وإنما أُتوا من قبل التشبيه؛لأنهم قاسوا سمع الله-سبحانه-على سمع الآدمي الذي يسمع الجهر دون السر (٣))).
المبحث السابع: عنايته بآيات الأحكام:
(٢) الذيل على طبقات الحنابلة(١/٢٦٥)...
(٣) الإفصاح(٢/٤٠)...