لابن هبيرة عنايةٌ بالأحكام الفقهية فيما فسره من الآيات، ومنهجه أن يذكر الحكم الذي تدل عليه الآية بإيجاز دون ذكر للخلاف، وأحياناً يصرِّح برأيه مفصَّلاً ولا يشير إلى الآراء الأخرى. ومن ذلك قوله: ((... أن الإنسان إذا أراد الجهاد في سبيل الله فينبغي أن يستعد لذلك بتجويد سلاحه واختيار دابته، محتسباً ما ينفقه في ذلك لله-سبحانه-ولا يخدعه شيطانه مخرجاً له اللوم في الإمساك، ومنع النفقة في سبيل الله مخرج التوكل، فيظهر لعدوه حاسراً، غير دارعٍ ولا فارس، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ يريد هذا المعنى(١))).
وأيضاً قوله: (( ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا ﴾ لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، والمعنى: تقاتلوا مائتين. ففُرض على الرجل أن يثبت لرجلين، فإن زادوا جاز له الفرار، وعلى هذا فإنه مباح للواحد أن يحمل ويلقي نفسه على العشرة والمائة والألف إذا رأى أن في ذلك إظهار العزة وشداً لقلوب المؤمنين، فإن غلب على ظنه أنه إن قُتل في حملته تلك أن ذلك يعود بوهْن ما على الإسلام لم يُستحب له ذلك(٢))).
وقال أيضاً: (( فإذا تظاهر الفاضل في حال أو جمال أو مال بما منَّ الله تعالى به عليه غائظاً المفضول، تعرَّض من الله تعالى لإزالة ذلك الشيء، فيكون رؤية ذلك الناظر له قد كانت سبباً لأن غضب الله فأزال ذلك الذي كان الحاسد يحسد فيه. فإن العين لا تُنال إلا من هذا الطريق. وعلى هذا أرى قوله تعالى:﴿ وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ﴾ ؛لأنه أراد أنكم إذا دخلتم وأنتم أحد عشر ولداً ذكراً في مَرَّة كان ذلك جالبا لتذكر الناس بالتعجب منكم، فإنكم ولد رجل واحد، فإذا دخلتم من أبواب متفرقة لم يكن ذلك من المثير لحسد الناس كما يكون إذا دخلتم من باب واحد(٣))).

(١) الإفصاح(٢/٢٢١)...
(٢) الإفصاح(٣/١٣٩)...
(٣) الإفصاح(٣/٢٢٦، ٢٢٥)...


الصفحة التالية
Icon