وتعاقبت الأجيال، كل جيل ينتفع بما كتبه السابقون، ويفيد من علومهم التي أودعوها كتبهم وتآليفهم، ثم يضيفون إليها ما فتح الله به عليهم من آراء واستنباطات، وتعليقات واستدراكات ؛ وكم ترك الأول للآخر ؟!.
وهناك ثروة تفسيرية مباركة أودعها العلماء السابقون كتباً صنفوها في علوم أخرى - غير التفسير -، كالحديث، والفقه، والعقيدة، والآداب، والرقائق، والسِيَر، والعربية ؛ يجدر بالمهتمين بالتفسير مطالعتها، وجمعها، والإفادة منها ؛ فهي لا تقل أهمية عمّا في كتب التفسير، بل قد يوجد في بعض كتب العلوم الأخرى من الفوائد التفسيرية، والعلوم القرآنية ما لا يوجد في كتب التفسير المعروفة.
ومن العلماء الذين خلفوا ميراثاً تفسيرياً مباركاً - مع أنه لم يصنف كتاباً في التفسير - الإمام الكبير، والعالم النحرير، المفسر اللغوي، الفقيه الأصولي، المصنف الموسوعي، شيخ الإسلام : أبو عبدالله، محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الشهير بابن قيّم الجوزية.
ونظراً لأهيمة ما سطره هذا الإمام الكبير من أقوال في التفسير ؛ فقد قام عدد من الباحثين بجمع تفسيره من كتبه المتنوعة الكثيرة - كما سيأتي بيان ذلك عند الكلام عن الدراسات التي تناولت تفسير ابن القيم -.
وقد تبيّن لي أن تفسير هذا الإمام يعدّ من أفضل التفاسير دقةً، ومنهجاً، واستنباطاً، وتحرياً للصواب ؛ مع ما امتاز به من السير على منهج السلف في العقيدة، والردِ على أهل البدع والضلالات.
وقد تميّز تفسيره أيضاً بحسن الجمع بين الأقوال المتنوعة، وشدةِ الحرص على الموازنة بينها، ودقةِ اختيار الراجح من الأقوال عند تعارضها وعدم إمكان الجمع بينها.