وفي تقرير أهمية تفسير السنة للقرآن عقد ابن القيم فصلاً كاملاً مطولاً في كسر طاغوت أهل التعطيل، الذين قالوا لا يحتج بكلام رسول الله - ﷺ - على شيء من صفات ذي الجلال، وذكر مقامات كثيرة لتقرير بطلان هذا الذي سمّاه " الطاغوت "، ومنها مقام في تقرير أن الأخبار - التي زعموا أنها آحاد - موافقة للقرآن، مفسرة له، مفصلة لما أجمله كما أنها موافقة للمتواتر منها.
ومن المناسب أن أنقل هنا أهم ما ذكره في هذا المقام لأهميته في تقرير هذا المعلم من معالم منهجه في التفسير، ولأن الذين درسوا منهجه في التفسير - فيما وقفت عليه - لم يذكروا هذا الكلام، ولم يتعرضوا له بالتحليل والدراسة على أهميته، وإن كان بعضهم قد أشار إلى بعض ما تضمنه من المعاني.
قال رحمه الله :( هذه الأخبار الصحيحة يوافقها القرآن، ويدل على مثل ما دلت عليه؛ فهي مع القرآن بمنزلة الآية مع الآية، والحديث مع الحديث المتفقين....
ومن هذا أخبار الآحاد الصحيحة المروية في أسباب نزول القرآن، وبيانِ المراد منه ؛ فإنها تشهد باتفاق القرآن والحديث. فهذه الأحاديث تقرر نصوص القرآن وتكشف معانيها كشفاً مفصلاً، وتقرب المراد وتدفع عنه الاحتمالات، وتفسر المجمل منه وتبينه وتوضحه لتقوم حجة الله به، ويُعلم أن الرسول - ﷺ - بيّن ما أنزل إليه من ربه، وأنه بلغ ألفاظه ومعانيه بلاغاً مبيناً حصل به العلم اليقيني، بلاغاً أقام الحجة، وقطع المعذرة...
ولهذا كان أئمة السلف وأتباعهم يذكرون الآيات في هذا الباب، ويتبعونها بالأحاديث الموافقة لها، كما فعل البخاري ومن قبله ومن بعده من المصنفين في السنة... ولا ينكر ذلك من له أدنى معرفة وإيمان.
وإنما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات ورثة الأنبياء عن رسول الله - ﷺ -، ثم يتبعون ذلك بما قاله الصحابة والتابعون وأئمة الهدى.