ذكر ابن القيم أن الإضمار ثلاثة أنواع :
النوع الأول : نوع يعلم انتفاؤه قطعاً، وأن إرادته باطلة. وهو حال أكثر الكلام ؛ فإنه لو سلط عليه الإضمار فسد التخاطب، ولم يفهم أحد مراد أحد ؛ إذ يمكنه أن يضمر كلمة تغير المعنى، ولا يدل المخاطب عليها.
النوع الثاني : ما يشهد السياق والكلام به ؛ فكأنه مذكور في اللفظ، وإن حذف اختصاراً.
وقد ذكر أمثلة على كل نوع من هذين النوعين.
النوع الثالث : كلام يحتمل الإضمار ويحتمل عدمه. وهذا النوع إذا كان المتكلم به يريد البيان والهداية والإيضاح بكل طريق فإن كلامه يحمل الأصل فيه، وهو عدم الإضمار، إلا أن يقيم للسامع دليلاً يدل على ما أضمر. وإن لم يجعل له عليه دليلاً فإنه لم يقصد بيانه له، بل عدل عن بيانه إلى بيان المذكور ؛ فلا يقال : إن كلامه دل عليه بالإضمار ؛ فإن هذا كذب صريح عليه.(١)
ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة ما رجحه ابن القيم في تفسير قول الله - عز وجل - :﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾ (الاسراء: ١٦)، فقد ذكر من الوجوه التي تدل على القول الذي رجحه - وهو أن الأمر هنا أمر كوني لا شرعي - :( أن الإضمار على خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه.) (٢)
القاعدة التاسعة : إنما يفسر اللفظ بما يناسب التركيب الذي ورد فيه. أو :( لا يلزم من صلاحية اللفظ لمعنىً ما في تركيب صلاحيته له في كل تركيب.)(٣)
(٢) انظر تفصيل ذلك في المسألة التاسعة بعد المائة ص. وانظر مثالاً تطبيقياً آخر في المسألة الحادية والتسعين.
(٣) الصواعق المرسلة ١/١٩٣.