إنّ من المعلوم عند أهل العلم أنّ الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ لمّ يؤلّف تفسيراً كاملاً للقرآن من أوّله إلى آخره، كما فعل غيره من الأئمّة المتقدّمين والمتأخّرين(١)، وإنّما كان يفسّر بعض الآيات، لأسباب ودوافع تدفعه إلى ذلك، بعضها صرّح به، وبعضها لم يصرّح به. وقد قمت باستقراء هذه الأسباب والدوافع من سياق اختيارات الشيخ وترجيحاته(٢).

(١) قد ذكر الرحّالة ابن بطّوطة في كتابه تحفة النُظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ( الرباط: أكاديميّة المملكة المغربيّة ) : ١/٣١٦، أنّ الشيخ صنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سمّاه بالبحر المحيط في نحو أربعين مجلّداً. ولم أر من تلاميذ الشيخ ـ الذين هم أقرب الناس إليه، وأعرفهم به ـ من أشار إلى ذلك. نعم ذكروا أنّه كتب أجزاء من التفسير على بعض الآيات والسور، لكنّ أحداً منهم لم يذكر أنّه صنّف كتاباً مستقلاً له عنوان، ويؤيّد ذلك: ما ذكره تلميذه ابن رشيّق المغربيّ، فإنّه قال: " ثمّ لمّا حُبس في آخر عمره، كتبت له أن يكتب تفسيراً على جميع القرآن مرتّباً على السور، فكتب يقول: إنّ القرآن فيه ما هو بيّن في نفسه، وفيه ما بيّنه المفسّرون في غير كتاب، ولكن بعض الآيات أشكلت على جماعة من العلماء، فربّما يطالع الإنسان عليها عدّة كتب، ولا يبين له تفسيرها، وربّما كتب المصنّف الواحد في آيةٍ تفسيراً، وتفسير نظيرها بغيره، فقصدت تفسير تلك الآيات بالدليل، لأنّه أهمّ من غيره، وإذا تبيّن معنى آية، تبيّن معاني نظائرها ". ( أسماء مؤلّفات ابن تيميّة ضمن الجامع لسيرة الشيخ: ص٢٨٣، ٢٨٤، وهذا النص غير موجود في النسخة المطبوعة المنسوبة إلى ابن القيّم ). والله تعالى أعلم.
(٢) وقد اقتصرت في ذلك على السور التي هي محلّ الدراسة، في هذا الفصل وفي الفصول التي بعده من هذا القسم إلا مواضع قليلة دعت إليها الحاجة.


الصفحة التالية
Icon