أما عن رحلته في طلب العلم : فقد رحل إلى دمشق وسمع الحديث فيها سنة ثنتين وخمسين وسبعمائة من أبي الصلاح بن أبي عمر، وابن أميلة(١)، وكذا أخذ عن ابن كثير في الحديث أيضاً، وقرأ عليه مختصره(٢)، ثمَّ توجَّه إلى حلب فأخذ عن الأذرعي وغيره(٣).
وكان لا يتردَّد إلى أحد إلاَّ إلى سوق الكتب ؛ لكن لقلَّة ذات اليد، وشظف العيش قد يصعب عليه الشراء مراراً ؛ إلاَّ أنَّ من ولج العلمُ شغاف قلبه يعجز عن صدِّ نفسه عن النهم منه ؛ لذا كان يطالع في حانوت الكتبي، طول نهاره، ومعه ظهور أوراق يُعلِّق فيها ما يعجبه، ثمَّ يرجع فينقله إلى تصانيفه(٤).
لكن ليُعْلَم أنه كان - مع تلك الحالة - حريصاً على جمع الكتب متى ما تيسَّر له الأمر، فقد قال في مقدمة كتابه البحر المحيط :"اجتمع عندي بحمد الله من مصنفات الأقدمين في هذا الفن [أي: أصول الفقه] ما يربو على المئين"(٥).
خامساً: أشهر شيوخه.
من مقومات نبوغ طالب العلم لزومه علماء أجلاّء ممن جمعوا بين العلم والعمل، فبه يتحصَّل على العلم المقرون بالتطبيق فيبقى العلم راسخاً في ذهنه مهما طال الزمن، وقد كان الزركشي ممن حَظِيَ بعلماء جهابذة تلقَّى عنهم، ولازم بعضهم، إلاَّ أنَّ كُتُبَ التراجم لم تذكر إلاَّ القليل منهم. وسأذكر تراجم مختصرة عنهم:

(١) ينظر: تاريخ ابن قاضي شهبة (٣/٤٥٢)، وطبقات المفسرين للداوودي (٢/١٦٢).
(٢) ينظر: الدرر الكامنة(٥/١٣٣)، وإنباء الغمر (٣/١٣٩)، وحسن المحاضرة (١/٤٣٧).
(٣) ينظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (٢/٢٣٣)، والدرر الكامنة(٥/١٣٣)، وإنباء الغمر (٣/١٣٩)، وطبقات المفسرين للداوودي (٢/١٦٢)، وشذارت الذَّهب (٨/٥٧٢).
(٤) ينظر: الدرر الكامنة(٥/١٣٣).
(٥) البحر المحيط في أصول الفقه(١/٢).


الصفحة التالية
Icon