وادعاء أن ذلك ممنوع في أسماء العدد يقال فيه : إن النبي - ﷺ - هو الذي ذكر أن بقية الطهر الواقع فيه الطلاق عدة، مبيناً أن ذلك مراد الله في كتابه، وما ذكره بعض أجلاء العلماء - رحمهم الله - من أن الآية والحديث المذكورين يدلان على أن الأقراء الحيضات بعيد جداً من ظاهر اللفظ كما ترى، بل لفظ الآية والحديث المذكورين صريح في نقيضه، هذا هو ما ظهر لنا في هذه المسألة، والله تعالى أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم](١).
فالراجح عند الشنقيطي - يرحمه الله - في المراد بالقروء في قوله تعالى :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ أنها الأطهار، واستدل لذلك بقوله تعالى :﴿ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ﴾، كما استدل بحديث ابن عمر المتفق عليه (٢).
دراسة الترجيح:
قال بعض المفسرين : المراد بقوله تعالى :﴿ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ أي أطهار، ومن القائلين بذلك الآتي ذكرهم: الزجاج(٣)، والواحدي(٤)، والبغوي(٥)، وابن العربي(٦)، والقرطبي(٧)،
وابن جزي الكلبي(٨)، وابن كثير(٩)، وابن عاشور(١٠)، وغيرهم.
وقال أكثر المفسرين المراد بها الحِيَض، ومن القائلين بذلك :
(٢) تقدم ذكره في ترجيح الشنقيطي.
(٣) معاني القرآن وإعرابه ١/٣٠٥.
(٤) الوسيط ١/٣٣٢.
(٥) معالم التنزيل ١/٢٠٣.
(٦) أحكام القرآن ١/٢٣٢.
(٧) الجامع لأحكام القرآن ٣/٨١.
(٨) التسهيل لعلوم التنزيل ١/٨١.
(٩) تفسير القرآن العظيم ١/٤٠٤.
(١٠) التحرير والتنوير ٢/٣٩٠.
ذهب أكثر المفسرين (١) إلى أن المراد بالإيحاء للحواريين في هذه الآية الإلهام، أي : قذف في قلوبهم ذلك الإيمان.
وذهب البعض(٢) إلى أن المراد به الإيحاء الحقيقي بواسطة عيسى -عليه السلام-، وعليه فالإيحاء هنا بمعنى الأمر.
وقال بعض المفسرين بجواز احتمال المعنى للوجهين، ومنهم :
ابن جزي(٣)، وابن كثير(٤)، وابن عاشور(٥).
تحرير المسألة:
الذي يظهر -مما تقدم- أن المراد بالإيحاء في قوله تعالى: ﴿ ّŒخ)ur àMّ‹ym÷rr& 'n<خ) z`؟خiƒح'#uqysّ٩$# ﴾ هو الإلهام، وهو ما عليه أكثر المفسرين، ومال إليه الشنقيطي - يرحمه الله - ؛ لورود الإيحاء في القرآن بمعنى الإلهام في آيات كثيرة -كما تقدم- (٦).
ولا مانع من احتمال كونه إيحاءً حقيقياً بواسطة عيسى -عليه السلام-؛ إذ المعنى يحتمل ذلك.. والله تعالى أعلم.
(٢) منهم : أبو عبيدة في مجاز القرآن ١/١٨٢، والنيسابوري في إيجاز البيان ١/٢٣٥.
(٣) التسهيل لعلوم التنزيل ١/١٩٣.
(٤) تفسير القرآن العظيم ٢/١٨٦.
(٥) التحرير والتنوير ٧/١٠٣.
(٦) تقدم في ترجيح الشنقيطي - يرحمه الله -.
" الناسخ والمنسوخ من كتاب الله عز وجل لهبة الله المقري ( المتوفى سنة ٤١٠ هـ )، تحقيق : زهير الشاويش ومحمد كنعان، المكتب الإسلامي، بيروت ودمشق، الطبعة الثانية ١٤٠٦هـ.
" نثر الورود على مراقي السعود لمحمد الأمين الشنقيطي، تحقيق: د. محمد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي، دار المنارة، جدة، الطبعة الثالثة، ١٤٢٣هـ.
" النسخ في القرآن الكريم للدكتور : مصطفى زيد المتوفى سنة ١٩٧٨م، تعليق : د. محمد يسري إبراهيم، دار اليسر، القاهرة، الطبعة الأولى ١٤٢٧هـ.
" نشر البُنُود على مراقي السعود، لسيدي عبدالله بن ابراهيم الشنقيطي ( المتوفى سنة ١٢٣٠هـ )، تحقيق : فادي نصيف، وطارق يحيى، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢١هـ.
" النشر في القراءات العشر لأبي الخير محمد بن محمد بن الجزري ( المتوفى سنة ٨٣٣هـ )، خرج آياته : زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٨هـ.
" النكت والعيون لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي البصري (المتوفى سنة ٤٥٠هـ)، راجعه وعلق عليه : السيّد بن عبدالمقصود بن عبدالرحيم، مكتبة المؤيد، الرياض، الطبعة الأولى، ١٤١٢هـ.
" نهاية الوصول إلى علم الأصول لأحمد بن علي بن تغلب بن الساعاتي ( المتوفى سنة ٦٩٤هـ )، تحقيق: د. سعد بن غرير بن مهدي السلمي، جامعة أم القرى، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ١٤١٨هـ.
" نواسخ القرآن لابن الجوزي (المتوفى سنة ٥٩٧هـ)، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ١٤٢٣هـ.
" الوسيط في تفسير القرآن المجيد لعلي بن أحمد الواحدي ( المتوفى سنة ٤٦٨ هـ )، تحقيق وتعليق : الشيخ عادل عبدالموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١٥هـ.