ولم أرَ من فرَّق بينهما من المتقدمين، بل إنهم يوقعون أحدهما بمعنى الآخر(١)، والتعريف اللغوي يعضد ذلك ؛ فإن الميل إلى أحد الأقوال يقتضي تضعيف غيره، بغض النظر عن درجة التضعيف ؛ إذْ لو كان القولان متساويين عند الناظر فيهما لم يختر، أو يرجح أحدَهما، بل يتوقف.
نعم الاختيار والترجيح درجات(٢)، فأحياناً يقطع المفسَّر بصواب أحد الأقوال، ورجحانه على غيره، ويبطل ما سواه أو يضعَّفها تضعيفاً شديداً، وأحياناً لا يتوفر له من الأدلة ما يجعله يقطع بصوابه وصحته، ولا يقوم بأدلة الأقوال الأخرى من الضَّعفِ ما يجعلها غير معتبرة، ولكنْ عند الموازنة تَرْجِحُ كفَّةُ أحد الأقوال، وهذا هو الترجيح.
وقد جَمَعتُ بين المصطلحين الاختيار والترجيح في عنوان البحث، وعناوين هذه الفصول بناءً على رأي القسم، موافقةً لبعض زملائي الذين صنعوا ذلك.
والمفسرون غالباً ما يعبرَّون بلفظ الاختيار، وهكذا الفقهاء، وهناك ثلاثة كتب في اختيارات ابن تيمية(٣)

(١) أما تعبيرهم عن القول الراجح الذي قد ضعِّف غيره بأنه اختيار فهو كثير جداً، انظر على سبيل المثال : تفسير ابن كثير ٤/٥٦٣، الناسخ والمنسوخ للنحاس ٢/٥٤٠، ، وتفسير القرطبي ١٥/٦٧، تفسير ابن جزي٢/ ٢٦٩والشوكاني٤/٦٥٠ وتفسير الألوسي ٢٤/١٣٥، ومن أمثلة إطلاقهم الترجيح على الاختيار الذي ليس فيه إشارة إلى تضعيف بقية الأقوال ما ذكره ابن كثير ١/١٨٨، في تفسير قوله تعالى : حيث ذكر الأقوال في معنى ثم قال عن القول الأخير :" وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره "، وحينما نذهب إلى ابن جرير نجد أنه يقول في تفسيره لهذا الموضوع ١/٤٠٦ :" ولكلًّ مما قيل من هذه الأقوال التي حكينا وجه ومخرج في كلام العرب، غير أن أعجب الأقوال إلىَّ في ذلك ما قلناه أولاً... ".
(٢) انظر مقدمة تفسير ابن جُزي ص ١/٤
(٣) وهي كما يلي :
١-... جزء لابن عبد الهادي ضمَّنه اختيارات الشيخ في فنونُ متنوعة منها التفسير، وغالبه في الفقه، وهو مطبوع.
٢-... جزء لابن القيم، وقد رتَّبها ترتيباًَ بديعاً، وهو مطبوع.
٣-... كتاب لأبي الحسن البعلي، وهو أوسع هذه الكتب وأشهرها. ومطبوع عدة طبعات. وانظر : اختيارات شيخ الإسلام لابن عبد الهادي، تحقيق سامي جاد الله ص٦.

٢٥٠- معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى ١٤٢٠.
٢٥١- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
٢٥٢- المعجم الوسيط، لإبراهيم أنيس وزملائه، المكتبة الإسلامية، استانبول، الطبعة الثانية، ١٩٧٢م.
٢٥٣- المغني، لابن قدامة، تحقيق : عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر، القاهرة.
٢٥٤- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، لابن هشام، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، ١٩٩٢م.
٢٥٥- المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان داوودي، دار العلم دمشق، الطبعة الأولى ١٤١٢.
٢٥٦- المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات، لمحمد بن عبد الرحمن المغراوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٢٠هـ.
٢٥٧- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، ١٣٨٩هـ.
٢٥٨- مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية، تحقيق : عدنان زرزور، دار الرسالة، مكة ١٤١٥هـ.
٢٥٩- المقفّى الكبير، لتقي الدين المقريزي، تحقيق : محمد البعلاوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، ١٤١١هـ.
٢٦٠- ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنْزيل، لابن الزبير الغرناطي، تحقيق : سعيد الفلاح، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى.
٢٦١- الملل والنحل، لأبي الفتح الشهرستاني، مكتبة المتنبي، بيروت، الطبعة الثانية، ١٩٩٢م.
٢٦٢- المنتقى، شرح الموطأ، للباجي.
٢٦٣- منهاج السنة النبوية، لابن تيمية، تحقيق محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى ١٤٠٦.


الصفحة التالية
Icon