منهج الزجاج في اختياراته في التفسير من خلال كتابه: معاني القرآن وإعرابه

اعتبر ابن عطية أبا إسحاق الزجاج رحمه الله من المبرزين في التفسير، ووصف كلامه بأنه منخول (١)، وينقل عنه أقوال المفسرين (٢)، وكان يقرن أقواله بأقوال كبار المفسرين (٣)، وكان يقرن بين آرائه وآراء الإمام الطبري (ت٣١٠هـ) (٤)، والأمثلة في استفادة ابن عطية من كتاب الزجاج في قضايا التفسير عامة كثيرة (٥)، ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾ (٦) حيث نقل عن الزجاج في تفسير " الفرقان " بأنه التوراة (٧)، ثم علل بما علل به الزجاج (٨).
ب - القراءات :

وفي تفسيره قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ (١)، قال :"قيل : إنه قد كان فرض على النصارى صوم رمضان، فنقلوه عن وقته وزادوا فيه، ولا أدري كيف وجه هذا الحديث، ولا ثقة ناقليه " (٢).
وفي تفسيره لقوله تعالى ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ (٣)، ذكر رواية مأثورة عن الكلبي ثم قال عنها :" والله أعلم بحقيقة ذلك " (٤).
المبحث العاشر
الاختيار دون ذكر سبب

ومن هؤلاء أيضاً : ابن كثير (ت٧٧٤هـ) وذلك عند قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ (١)، قال :" الصحيح أنه سأل من الله ملكاً لا يكون لأحد من بعده من البشر مثله، وهذا هو ظاهر السياق من الآية، وبه وردت الأحاديث الصحيحة من طرق عن رسول الله - ﷺ - " (٢).
وقد اعتمد الزجاج هذا الوجه في اختياراته في التفسير، فهو يدعم اختياراته التفسيرية بالأحاديث النبوية.
يقول أبو إسحاق الزجاج في تفسيره قوله تعالى :﴿ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ﴾ (٣)، في تحديد معنى :" القرن " :" وقيل : القرن ثمانون سنة(٤)، وقيل: سبعون(٥)، والذي يقع عندي - والله أعلم - أن القرن أهل مدة كان فيها نبي، أو كان فيها طبقة من أهل العلم، قلّت السنون أو كثرت، والدليل على هذا قول النبي - ﷺ - :"خيركم قرني - أي : أصحابي رحمة الله عليهم - ثم الذين يلونهم - يعني التابعين - ثم الذين يلونهم (٦)- يعني الذين أخذوا عن التابعين - " (٧)، والزجاج يختار قولاً من الأقوال الواردة في تفسير معنى :" القرن " مستنداً بذلك إلى السنة النبوية.

والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها :
١ - في قوله تعالى :﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ (١) ذكر الزجاج معنيين للفظ: "النجم" ثم اختار المعنيين جميعاً للفظ المشترك، وذلك بردهما لمعنى واحد حيث قال: "قال أهل اللغة وأكثر أهل التفسير: النجم: كل ما نبت على وجه الأرض مما ليس له ساق(٢)، وقد قيل : إن النجم أيضاً : يراد به النجوم (٣)، ويجوز أن يكون النجم هاهنا: يعني به ما نبت على وجه الأرض، وما طلع من نجوم السماء، يقال لكل ما طلع: قد نجم" (٤).
والزجاج - في المثال السابق - استطاع أن يجمع بين المعنيين، وذلك برد لفظ النجم المشترك إلى معنى عام يدل على الطلوع، يقول ابن فارس (ت٣٩٥هـ) :"النون والجيم والميم أصل صحيح يدل على طلوع وظهور " (٥).
٢ - في قوله تعالى :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ (٦) ذكر الزجاج دلالات لفظ :"أمة" فذكر منها : أن الأمة بمعنى : الدين، والقامة يقال : فلان حسن الأمة أي: حسن القامة، والأمة : القرن من الناس، والأمة : الرجل الذي لا نظير له ومنه قوله تعالى:

---