منهج الزجاج في اختياراته في التفسير من خلال كتابه: معاني القرآن وإعرابه

نقل ابن عطية عن الزجاج في القراءات واستفاد منه في نسبة القراءات لأهلها ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ (١) قال: " "نَكَداً" بفتح النون والكاف، قال الزجاج :" وهي قراءة أهل المدينة " (٢) " (٣)، والأمثلة على ذلك كثيرة (٤).
جـ - علوم القرآن :
أفاد من الزجاج في قضايا عدة من علوم القرآن منها : أسباب النزول (٥)، تسمية السور(٦)، وفي تجويد القرآن الكريم (٧).
د - علوم اللغة المختلفة :
أفاد منه في كثير من قضايا اللغة ومن ذلك إفادته منه في المسائل الصرفية كنقله عن الزجاج بعض الأوزان والأبنية ومن ذلك قول ابن عطية :" وإبليس اسم أعجمي معرف قال الزجاج : ووزنه فعليل " (٨).

يدعم أبو إسحاق الزجاج اختياراته - في الغالب - بالتدليل أو التعليل، لكنه في بعض الأحيان، يتخلى عن ذكر سبب الاختيار، فيذكر اختياره مجرداً عن الدليل أو العلة، أو يقوي أحد الأقوال التي قيلت دون ذكر سبب تلك التقوية، مما يجعل المطلع على كتابه لا يعرف لماذا اختار هذا القول وقواه، ورد ذلك القول ورفضه.
ويعتذر لأبي إسحاق الزجاج بأنه غير ملزم بمناقشة الآراء والإطالة في ذلك، لكن يستحسن من أبي إسحاق لو أنه ذكر سبب الاختيار والتقوية لأحد الأقوال، أو ذكر سبب رد أحدها.
ومن الأمثلة ما ذكره عند قوله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾ (١)، قال :" ومعنى ألم تر : ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب، ويجوز أن يكون هاهنا من رؤية العين (٢)، ويكون المعنى : ألم تر كيف مد الظل ربك لِلَّهِ والأجود : أن يكون بمعنى ألم تعلم " (٣).
ومن ذلك أيضاً ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ﴾ (٤)، " يقال في الرداءة : خلْف - بإسكان اللام - تقول : خلْف سوء، وفي الصلاح خلَف سوء - بفتح اللام- وقد يقال في الرداءة أيضاً خلَف - بفتح اللام- وفي الصلاح بإسكان اللام(٥)، والأجود القول الأول " (٦).

وفي تفسيره معنى :" الصور " في قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ (١)، قال :" قالوا في الصور قولين : قيل في التفسير : إن الصور اسم لقرنٍ ينفخ فيه (٢)، وقيل: الصور جمع صورة (٣)، وكلاهما جائز، وأثبتها في الحديث والرواية أن الصور قرن " (٤).
وفي تفسيره قوله تعالى :﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ (٥)، ذكر الزجاج الخلاف في تفسير :" يا أخت هارون " فقال :"روينا في التفسير: أن أهل الكتاب قالوا : كيف تقولون أنتم : مريم أخت هارون وبينهما ستمائة سنة، فقيل ذلك لرسول الله - ﷺ - فقال : إنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين"(٦)، أي: فكان أخو مريم يسمى هارون، وقيل : إنهم عنوا بأخت هارون في الصلاح والدين...(٧) والذي في هذا عن النبي - ﷺ - بين " (٨)، فأبو إسحاق هنا اختار أول قول ذكره بناء على أنه تفسير النبي - ﷺ - للآية.

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } (١)، وذكر أيضاً : أن الأمة : تأتي بمعنى : الخير والنعمة (٢)، ثم قال الزجاج بعد ذلك: "وأصل هذا كله من القصد يقال: أممت الشيء إذا قصدته، فمعنى الأمة في الدين : أن مقصدهم واحد، ومعنى الأمة في الرجل المنفرد الذي لا نظير له: أن قصده منفرد عن قصد سائر الناس... ومعنى الأمة القامة: سائر مقصد الجسد، فليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى أممت أي : قصدت، ويقال : إمامنا هذا حسن الأمة أي: يقوم بإمامته بنا في صلاته ويحسن ذلك " (٣).
٣ - في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا مچح !$|ءt/ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ (٤) قال أبو إسحاق :" أي هذا القرآن الذي أتيت به بصائر من ربكم، واحدة البصائر : بصيرة، والبصيرة والبصائر : طرائق الدم... والبصيرة : الترس، وجمعها بصائر، وجميع هذا أيضاً معناه ظهور الشيء وبيانه " (٥).
والزجاج هنا ذكر المعاني للمشترك اللفظي :" البصائر " ثم ردها إلى أصل واحد وهو الظهور والبيان.
ثانياً : المترادف :
وهو ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه (٦).
والترادف يختلف عن الاشتراك والتضاد؛ إذا أن الترادف : الاشتراك في المعاني، بينما في الاشتراك اللفظي والتضاد يكون الاشتراك في الألفاظ.

---