منهج الزجاج في اختياراته في التفسير من خلال كتابه: معاني القرآن وإعرابه

وقد يقرن بين آراء الزجاج وآراء شيخ المفسرين الطبري (ت٣١٠هـ) جنباً إلى جنب(١).
والحديث عن استفادة ابن الجوزي من الزجاج في مسائل التفسير المختلفة كثير وطويل، ويكفي في هذا أنه أحياناً يكتفي بقولٍ للزجاج في تفسير الآية، ومن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى :﴿ قَالُوا سُبْحَانَكَ ﴾ (٢) قال :"قال الزجاج: التسبيح هو التنزيه لله تعالى عن كل سوء " (٣)، والأمثلة على استفادة ابن الجوزي من الزجاج في قضايا التفسير كثيرة جداً (٤).
جـ - القراءات وتوجيهها :
نقل ابن الجوزي عن الزجاج في القراءات وتوجيهها، ومن ذلك هذا المثال الذي يبين مدى استفادة ابن الجوزي في نقل القراءات وتوجيهها قال عند قوله تعالى :
﴿ وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ (٥): " قال الزجاج : قرىء " غُلْف " بتسكين اللام (٦)، فمعناه : ذوات غلف فكأنهم قالوا قلوبنا في أوعية، ومن قرأ "غُلُف" بضم اللام(٧)، فهو جمع غلاف فكأنهم قالوا قلوبنا في أوعية للعلم فما بالها لا تفهم وهي أوعية للعلم" (٨) والأمثلة على استفادته منه في القراءات وتوجيهها كثيرة (٩).
د - علوم اللغة المختلفة :

ويقول عند قوله تعالى :﴿ رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ (١) :"المسح هاهنا على ما جاء في التفسير : القطع، وروي أنه ضرب سوقها وأعناقها(٢)، وسوق جمع ساق مثل دارودور، ولم يكن سليمان عليه السلام ليضرب أعناقها إلا وقد أباح الله ذلك ؛ لأنه لا يجعل التوبة من الذنب بذنب عظيم، وقال قوم : إنه مسح أعناقها وسوقها بالماء وبيده(٣)، وهذا ليس يوجب شغلها إياه، أعني أن يمسحها بالماء، وإنما قال ذلك قوم ؛ لأن قتلها كان عندهم منكراً، وليس ما يبيحه الله بمنكر، وجائز أن يباح ذلك لسليمان في وقته، ويحظر في هذا الوقت " (٤).
وقال عند تفسيره لقوله تعالى :﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (٥)، جاء في التفسير : جلودهم : كناية عن الفرج(٦)، والمعنى : شهدت فروجهم بمعاصيهم " (٧).
وينوه الزجاج أيضاً بأقوال المفسرين وأهميتها في تفسير القرآن الكريم، وبين أن بعض ألفاظ القرآن لا يعرفها أهل اللغة إلا من جهة أهل التفسير يقول عند قوله تعالى

وحمله على الغالب هو الصحيح ؛ لأن كتب السنة والتفسير كالصحيحين والموطأ وسنن الترمذي ومسند الإمام أحمد بن حنبل، وتفسير الطبري، وتفسير ابن أبي حاتم فيها الكثير من المروي في التفسير بسند صحيح (١).
ويقول الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني : التفسير بالمأثور نوعان :
أحدهما : ما توافرت الأدلة على صحته وقبوله، وهذا لا يليق بأحد رده.
ثانيهما : ما لم يصح وهذا يجب رده ولا يجوز قبوله، ولا الاشتغال به إلا لتمحيصه(٢).
٢ - أن يكون الحديث ضعيفاً لكنه ليس شديد الضعف فهذا مبني على مسألة : حكم الاحتجاج بالحديث الضعيف في الأحكام والتفسير والفضائل، فإن بعض أهل العلم قبلوا الحديث الضعيف في التفسير بشروط ثلاثة :
١ - أن يكون ضعفه غير شديد ؛ لأن ما كان ضعفه شديداً فهو متروك عند كافة العلماء.
٢ - أن لا يكون في الباب غيره فإذا وجد في الباب غيره من حديث صحيح أو حسن فإنه يجب المصير إلى الحديث الثابت، وترك ما لا يصح(٣).
٣ - أن لا يكون ثمة ما يعارضه فإن اعترض الحديث الضعيف مرجحات غيره فإنه لا يجوز المصير إليه.
ومعنى هذا : أن الحديث الضعيف إذا انفرد وليس شديد الضعف، وليس في الباب غيره، ولم يكن هناك ثمة معارض من وجوه الترجيح الأخرى فإن بعض أهل العلم قد احتج به ؛ يقول الإمام أحمد بن حنبل (ت٢٤١هـ) :"ضعيف الحديث خير من الرأي"، وقد استحسن ابن تيمية (ت٧٢٨هـ) قول الإمام أحمد هذا (٤).
ويقول الطبري (ت٣١٠هـ) في معرض اختياره أحد الأقوال :" وقد روي عن رسول الله - ﷺ - بتصحيح ما قلنا بما في إسناده نظر " (٥).

لقد اختار الزجاج هنا أن "إذ" ظرف زمان ماضٍ وهو مبني لشبهه بالحرف بالوضع أو الافتقار وهو اختيار أبي حيان (ت٧٤٥هـ) والسمين الحلبي (ت٧٥٦هـ) (١)، ورد قول أبي عبيدة (ت٢١٠هـ) محتجاً بأن قوله غير لائق بالتفسير، وقد وافق الزجاج في إنكاره هذا على أبي عبيدة كثير من المفسرين منهم : الطبري (ت٣١٠هـ)، حيث قال عن إعراب أبي عبيدة هذا "زعم بعض المنسوبين إلى العلم من أهل البصرة أن تأويل"وإذ" من الحروف الزائدة وأن معناها : الحذف " (٢).
وقد يختار الزجاج وجهاً إعرابياً لكونه أليق بالتفسير الذي اختاره، ومن ذلك في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ﴾ (٣) حيث ذكر ثلاثة أقوال في إعراب :" أيُّهم أشد " (٤):
أحدها : نسبه الزجاج ليونس بن حبيب (ت١٨٢هـ) حيث قال : إن قوله عزوجل: "لننزعن" معلقة لم تعمل شيئاً فكأن قول يونس :" ثم لننزعن من كل شيعة" ثم استأنف فقال :" أيهم أشد على الرحمن عتياً " ويعني أن يونس يذهب إلى أنها استفهامية وما بعدها خبرها (٥).
الثاني : حكاه سيبويه (ت١٨٠هـ) عن الخليل بن أحمد (ت١٧٥هـ) أنه على معنى الذين يقال :" أيهم أشد على الرحمن عتياً " ويعني أن أيهم : مبتدأ، وأشد : خبره، والجملة محكية بالقول المقدر، والتقدير : لننزعن من كل شيعة المقول فيهم : أيهم أشد(٦).
وهذا تخريج الخليل لهذا الإعراب وقد ذكر الزجاج وأبو حيان (ت٧٤٥هـ) والسمين الحلبي (ت٧٥٦هـ) أن الخليل قرن تخريجه هذا بقول الشاعر :

---