منهج الزجاج في اختياراته في التفسير من خلال كتابه: معاني القرآن وإعرابه

اهتم الرازي بنقل آراء الزجاج اللغوية، واعتبره من كبار أهل اللغة(١)، كما نقل عنه بعض الإشكالات اللغوية التي يثيرها الزجاج ثم يجيب عنها ومن ذلك قوله عند قوله تعالى :﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ (٢)، قال :" لو كان المراد بالسفهاء النساء لقال: السفائه أو السفيهات، وقد أجاب الزجاج بأن السفهاء في جمع السفيهة جائز كما أن الفقراء في جمع الفقيرة جائز " (٣).
وقد تأثر الرازي بكتاب الزجاج بقضايا كثيرة من قضايا اللغة ومن ذلك : المسائل النحوية (٤)، والمسائل الصرفية (٥)، وفي موضوع الاشتقاق(٦)، واللغات(٧)، ورواية الشواهد الشعرية (٨)، وغير ذلك.
تاسعاً : تفسير القرطبي (ت٦٧١هـ) :
اعتبر القرطبي الزجاج من المبرزين في التفسير، فقد قال عنه :" ومن المبرزين من المتأخرين : أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي، أما أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فقد استدرك الناس عليهما " (٩).
وقد صرح بالنقل عن كتاب الزجاج -أحياناً- ومن ذلك قوله :" قال أبو إسحاق الزجاج في معاني القرآن..." (١٠)، والأكثر أنه ينقل عن كتابه المعاني دون أن يصرح باسم الكتاب، وربما نقل عن غير كتابه المعاني، فقد نقل عن الزجاج من طريق كتابه: الأنواء(١١).

لما تحدث عن قوله تعالى ﴿ ¼çm¯Rr(s٣÷ƒur ںw كxخ=ّےمƒ tbrمچدے"s٣ّ٩$# ﴾ (١)، قال :" والقول الصحيح في هذا ما ذكره سيبويه عن الخليل ويونس (ت١٨٣هـ)(٢)، قال : سألت عنها الخليل فزعم أنها " وي " مفصولة من كأنه " (٣).
وفي موضع آخر يختار قول الخليل وسيبويه، ويرجحه على قول شيخه محمد بن يزيد المبرد (ت٢٨٥هـ)، حيث قال عند قوله تعالى ﴿ y‰yf|،sù èps٣ح´¯"n=yJّ٩$# ِNكg=à٢ tbqمèuHّdr& ﴾ (٤)، " قال سيبويه والخليل : أجمعون : توكيد بعد توكيد(٥)، وقال محمد بن يزيد : يدل على اجتماعهم في السجود، المعنى فسجدوا كلهم في حال واحدة، وقول سيبويه والخليل أجود ؛ لأن أجمعين معرفة فلا يكون حالاً " (٦).
وقد نص على قول للخليل وسيبويه في التفسير يقول عند قوله تعالى ﴿ t،|،xےsù ô`tم جچّBr& ے¾دmخn/u' ﴾ (٧)، " ومذهب الخليل وسيبويه وهو الحق عندنا أن معنى :" ففسق عن أمر ربه " أتاه الفسق لما أمر فعصى، فكان سبب فسقه ما أمر به كما تقول : أطعمه عن جوع وكساه عن عري، المعنى : كان سبب فسقه الأمر بالسجود لما كان سبب الإطعام الجوع، وسبب الكسوة العري(٨) ".

بعدها أبداً.... " (١).
ومن ذلك قول سلمان موقوفاً وله حكم الرفع :" يوضع الميزان وله كفتان"(٢).
ومما يؤيد أن الميزان له كفتان حديث البطاقة وفيه :" فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة " (٣).
المطلب الثالث :
اعتماده على الحديث في الاختيار بين القراءات

وفي موضع آخر انتقد أحد الأبيات المجهولة فقال: " وليس ينبغي أن يحمل كتاب الله على أنشدني بعضهم، ولا على بيت شاذ، لو عرف قائله، وكان ممن يؤخذ بقوله لم يجز، وهذا عندنا لا يجوز في كلام ولا شعر " (١).
والحاصل : أن الزجاج استبعد الأعاريب الشاذة والغريبة فضلاً عن أن يختارها، واعتمد الأعاريب المشهورة والقوية الواضحة ففي قوله تعالى :﴿ !$yJx. y٧y_tچ÷zr& y٧o/u'.`دB y٧دG÷ t/ بd،ysّ٩$$خ/ ¨bخ)ur $Z)ƒجچsù z`دiB tûüدZدB÷sكJّ٩$# tbqèdجچ"s٣s٩ ﴾ (٢) تجد أن أهل النحو والمفسرين قد اختلفوا اختلافاً كبيراً فيما تتعلق به الكاف في قوله :"كما" وقد أوصل أبو حيان
(ت٧٤٥هـ) الأقوال فيها إلى خمسة عشر قولاً (٣)، وأوصلها السمين الحلبي (ت٧٥٦هـ) إلى عشرين قولاً (٤)، وقد ذكر النحاس (ت٣٣٨هـ) بعض هذه الأقوال (٥).
وهذه الأقوال فيها الأوجه القوية والضعيفة، وقد اختار الزجاج أن الكاف هنا في موضع نصب حيث قال :" الكاف في موضع نصب والمعنى : الأنفال ثابتة لك مثل إخراج ربك إياك من بيتك بالحق" (٦)، وقد حسن الزمخشري (ت٥٣٨هـ) اختيار الزجاج هذا وذكر أنه ينتصب على أنه صفة مصدر للفعل المقدر في قوله :" الأنفال لله والرسول " (٧) أي : الأنفال استقرت لله والرسول وثبتت مع كراهتهم ثباتاً مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون (٨).

---