فبعد ترجيح إباحة أكل لحوم الخيل، وذلك لقوة الأحاديث المسْتَدَل بها وورودها في "الصحيحين"؛ وللإحاطة على ما استدل به أصحاب القول الأول بعدم إباحة أكل لحوم الخيل. نجد أن الآية والحديث لا حجة فيهما لازمة؛ أما الآية فلا دليل فيها على تحريم الخيل؛ إذ لو دلت عليه لدلت على تحريم لحوم الحُمُر، والسورة مكية، وأيّ حاجة كانت إلى تجديد تحريم لحوم الحُمُر عام خيبر، وقد ثبت في الأخبار تحليل الخيل على ما يأتي. وأيضاً لما ذكر تعالى الأنعام ذكر الأغلب من منافعها وأهم ما فيها، وهو حمل الأثقال والأكل، ولم يذكر الركوب ولا الحرث ولا غير ذلك مصرّحاً به، وقد تُركب ويُحرث بها؛ قال الله تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾. وقال في الخيل:
﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ فذكر أيضاً أغلب منافعها والمقصود منها، ولم يذكر حمل الأثقال عليها وقد تحمل كما هو مشاهد فلذلك لم يذكر الأكل. وقد بينه نبيه عليه السلام الذي جعل إليه بيان ما أنزل عليه على ما يأتي، ولا يلزم من كونها خلقت للركوب والزينة ألاّ تؤكل، فهذه البقرة قد أنطقها خالقها الذي أنطق كل شيء فقالت: إنما خُلقت للحرث. فيلزم من علّل أن الخيل لا تؤكل؛ لأنها خلقت للركوب ألا تؤكل البقر؛ لأنها خلقت للحرث.
وقد أجمع المسلمون على جواز أكلها؛ فكذلك الخيل بالسنَّة الثابتة فيها (١).
كما أنه قال تعالى: ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴾ جائز حلال غير حرام، دليل واضح على أن أكل ما قال: ﴿ لِتَرْكَبُوهَا ﴾ جائز حلال، إلا بما نص على تحريمه أو وضع على تحريمه دلالة من كتاب أو وحي إلى رسوله - ﷺ -. فأما بهذه الآية فلا يحرم أكل شيء (٢).

(١) الجامع لأحكام القرآن (١٠/٧٦-٧٧)، وانظر المحرر الوجيز (٨/٣٧٥)، مختصراً وبتصرف.
(٢) تفسير الطبري (٧/٥٦٤).


الصفحة التالية
Icon