فلقد بلغ من حرصهم - رضوان الله تعالى عليهم - على ذلك السماع أنهم كانوا ينيبون بعضهم بعضاً - ولم يشغلهم السعي في مناكب الأرض طلباً للرزق - عن طلب السنة والوحي بل كان الواحد منهم إذا انشغل بالسعي على عياله استناب أحد جيرانه أو آله في حضور مجلس الرسول - ﷺ - ليأتيه بخبر ذلك اليوم الذي استنابه فيه - وبهذا يأخذ كل من المنيب والمستنيب نوبته - ولذا ترجم البخاري في صحيحه وعقد لذلك باباً فقال التناوب في العلم - من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على رسول الله - ﷺ - ينزل يوماً وأنزل يوماً - فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي - وإذا نزل فعل مثل ذلك، فنزل صاحبي الأنصاري - يوم نوبته فضرب بابي ضرباً شديداً ففزعت فخرجت إليه فقال قد حدث أمر عظيم قال فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي فقلت طلقكن رسول الله - ﷺ - ؟ قالت: لا أدري - ثم دخلت على رسول الله - ﷺ - فقلت: وأنا قائم أطلقت نساءك؟ قال: (لا) فقلت: الله أكبر(١).
ثم على نهج السلف وعلى سننهم تناقل أهل العلم ما بلغهم عن رسول - ﷺ - طوراً بعد طور وجيلاً بعد جيل وقيض الله تعالى - لحمل السنة النبوية - عدولاً - يحملون مشعال البيان والحفظ والتدقيق - حتى عصرنا الحاضر وسيكون ذلك بإذنه إلى يوم القيامة تحقيقاً لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [ الحجر: ٩ ] (٢).
(٢) انظر في ذلك إعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (١/٦ -٧، ٢/٣١٤ - ٣١٥).