وخلاصة القول في المسألة: قال القرطبي: (قال الحنفيون: المراد بقوله: سكرًا: ما لا يسكر من الأنبذة؛ والدليل عليه: أن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك، ولا يقع الامتنان إلا بمحَّلل لا بمحرم؛ فيكون ذلك دليلاً على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ، فإذا انتهى إلى السكر لم يجز) (١). والأدلة السابقة من الكتاب والسنة تؤيد ذلك.
أن الآية الكريمة تحتمل أحد معنيين:
أولها: إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر.
ثانيها: وإما أن يكون المعنى: أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه ما حرم الله عليكم اعتداء منكم، وما أحل لكم اتفاقًا أو قصدًا إلى منفعة أنفسكم.
والصحيح كما قال النحاس والقرطبي: أن ذلك كان قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة(٢).
وبعد هذا البحث نجد أنه لا تعارض بين ظاهر الآية الكريمة والحديث الشريف؛ فالحديث يدل على حرمة كل ما أسكر، والآية بنسخها دلت على التحريم أيضًا، وأن الإباحة تكون في الحد الذي لا يصل إلى السكر، وإن وصل فهو حرام.
والله تعالى أعلم، ،، ،
*... *... *
مسألة: الحنث في اليمين
سورة النحل (الموضع الرابع)
قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا ﴾ (٣) [النحل: ٩١].
" الأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض مع الآية:
(٢) الناسخ والمنسوخ (٢/ ٤٨٧)، والجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٢٨).
(٣) ولها نظائر في كتاب الله تعالى، منها: قوله تعالى: ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ ﴾ [الأنعام: ١٥٢]، وقوله تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: ٣٤].