أمر الله المؤمنين بملاك المصالح وتفاهم عن ملاك المفاسد بما أومأ إليه قوله: ﴿ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فكان ذلك مناسبة حسنة لهذا الانتقال،... والخطاب للمسلمين في الحفاظ على عهدهم بحفظ الشريعة، وإضافة العهد إلى الله؛ لأنهم عاهدوا النبي - ﷺ - على الإسلام الذي دعاهم الله إليه، فهم قد عاهدوا الله كما قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾، وقال: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾، والمقصود: تحذير الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام من أن ينقضوا عهد الله.
والعهد: الحلف... ونقض الأيمان: إبطال ما كانت لأجله؛ فالنقض إبطال المحلوف عليه لا إبطال القسم، فجعل إبطال المحلوف عليه نقضاً لليمين في قوله: ﴿ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ ﴾ تهويلاً وتغليظاً للنقض؛ لأنه نقض لحرمة اليمين.(١)
وقال ابن عاشور أيضاً: والمقصود من هذه الجمل كلّها من قوله: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ﴾.
إلى هنا تأكيد الوصاية بحفظ عهد الأيمان: وعدم الارتداد إلى الكفر، وسد مداخل فتنة المشركين إلى نفوس المسلمين إذا يصدونهم عن سبيل الإسلام بفنون الصدّ كقولهم:
﴿ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ كما أشار إليه قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَن اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ وقد تقدم ذلك في سورة الأنعام.

(١) التحرير والتنوير (١٤/٢٦٠-٢٦١).


الصفحة التالية
Icon