وقال النووي: وأما الغادر فهو الذي يواعد على أمر ولا يفي به ففي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر (١).
قال عياض: وهو نهي الإمام أن يغدر في عهوده لرعيته وللكفار وغيرهم، أو غدر للأمانة التي قلدها لرعيته والتزم بها والمحافظة عليها، ومتى خانهم أو ترك الشفقة عليهم أو الرفق بهم، فقد غدر بعهده. والاحتمال الثاني: أن يكون المراد: نهي الرعية، والصحيح الأول(٢).
وأما حديث أنس رضي الله عنه قال: قد حالف النبي - ﷺ - بين قريش والأنصار في داري (٣).
قال ابن كثير: فمعناه: أنه آخى بينهم فكانوا يتوارثون به، حتى نسخ الله ذلك (٤).
فالآية الكريمة: تدل على الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكدة والحديث الشريف يدل أيضاً على الوفاء بالعهود كما سبق ذكره؛ ولأن هذه الأيمان المراد بها: الداخلة في العهود والمواثيق، لا الأيمان التي هي واردة على حثٍّ أو منع.
فحديث أبي موسى رضي الله عنه الثابت في ((الصحيحين))؛ ظاهره يدل على أن النبي - ﷺ - كفّر عن يمينه إلا أنه أمر بالوفاء بالعهود، وهذه داخلة منها كما قلنا. إذن لا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف على الإطلاق.

(١) صحيح مسلم بشرح النووي (١٢/٤٤) بتصرف يسير.
(٢) إكمال المعلم (٦/٤١)، وانظر: فتح الباري (٦/٢٨٤).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب: الكفالة، باب: قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾
(٢٢٩٤)، ومسلم في كتاب: فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب: مؤاخاة النبي - ﷺ - بين أصحابه رضي الله عنهم (٢٥٢٩).
(٤) تفسير القرآن العظيم (٨/٣٤٨).


الصفحة التالية
Icon