سادساً: معنى التعذيب تألم الميت بما يقع من أهله من النياحة وغيرها وهذا هو اختيار أبي جعفر الطبري من المتقدمين ورجحه ابن المرابط وعياض ونصره ابن تيمية وجماعة من المتأخرين واستشهدوا له بحديث قيلة بنت مخرمة: قلت يا رسول الله: قد ولدته فقاتل معك يوم الربذة ثم أصابته الحمى فمات ونزل علّي البكاء، فقال رسول الله - ﷺ - :(أيغلب أحدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفًا - وإذا مات استرجع - فوالذي نفس محمد بيده إن أحدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه فيا عباد الله لا تعذبوا موتاكم) (١).
وبعد هذا العرض لكلام ابن حجر - رحمه الله - وذكره الوجوه التي صار إليها العلماء في الجمع بين الاستدلال بالآية والحديث نقول: يمكن أن نجمع بين كل هذه التوجيهات الحسنة - بأن يقال: ننزل هذه الأوجه على الاختلاف في الأشخاص والأحوال كأن يقال: من كانت طريقته النوح فمشي أهله على طريقته فأوصاهم بذلك عذب بصنيعه ومن كان ظالماً فندبه أهله باسترجاع أفعاله الجائرة عذب أيضاً بما ندبوه به، ومن كان يعرف من أهله النياحة فأهمل نهيهم وتأديبهم فإن كان راضيًا بذلك عذب أيضًا وإن كان غير راض عذب بتوبيخ الملائكة لأنه أهمل النهي، ومن سلم من ذلك واحتاط له ونهى أهله ونصحهم ولكنهم خالفوه كان تعذيبه هو ألمه لما يرى منهم من مخالفة الصواب وإقدامهم على المعصية.

(١) انظر: فتح الباري لابن حجر(٣ /١٥٣- ١٥٥) بتصرف يسير، وانظر فيض القدير(٢/٣٩٧، ٦/٢١٦) بتصرف، وقد سمعت شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - حين سئُل عن ذلك في درسه في الحرم المكي في رمضان فقال: هو كإعياء المسافر على حد قوله عليه السلام: (السفر قطعة من العذاب).


الصفحة التالية
Icon