قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب لهُ إلا في هذه الأشياء الثلاثة؛ لكونه كان سببها الأول، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم، أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف، وفيه: فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح،.... وفيه: دليل لصحة أصل الوقف، وعظيم ثوابه، وبيان فضيلة العلم، والحثّ على الاستكثار منه، والترغيب في توريثة بالتعليم والتصنيف والإيضاح، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع، وفيه: أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت". ا. هـ(١).
" دفع إيهام التعاريض بين ظاهر الآية والحديث
" مسالك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض:
لقد سلك العلماء لدفع إيهام ذلك التعارض مسلك الجمع: وذلك من الوجوه التالية:
الأول: أن الآية إنما دلت على نفي ملك الإنسان لغير سعيه، ولم تدل على نفي انتفاعه بسعي غيره، لأنه لم يقل وأن لن ينتفع الإنسان إلا بما سعى وإنما قال: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ ﴾. وبين الأمرين فرق ظاهر؛ لأن سعي الغير ملك لساعيه إن شاء بذله لغيره فانتفع به ذلك الغير، وإن شاء أبقاه لنفسه.
وقد أجمع العلماء على انتفاع الميت بالصلاة عليه والدُعاء لهُ والحج عنه ونحو ذلك، مما ثبت الانتفاع بعمل الغير فيه.
الثاني: أن إيمان الذرية هو السبب الأكبر في رفع درجاتهم إذ لو كانوا كفارًا لما حصل لهم ذلك، فإيمان العبد وطاعته سعي منهُ في انتفاعه بعمل غيره من المسلمين، كما وقع في الصلاة في الجماعة، فإن صلاة بعضهم مع بعض يتضاعف بها الأجر زيادة على صلاته منفردًا، وتلك المضاعفة انتفاع بعمل الغير، سعى فيه المصلي بإيمانه وصلاته في الجماعة. وهذا الوجه يشير إليه قوله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ ﴾.