١- أنه لو أريد بالعذاب في الآية عذاب الآخرة لم يكن هناك أخذ بمبدأ الإعذاركما في قوله تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ [النساء: ١٦٥]- فضلا عن كونه يتنافى مع عدل الله تعالى ورحمته.
٢- وأيضا لو أريد بالآية العذاب الأخروي لم تكن هناك حاجة في إرسال الرسل ويصبح إرسال الله - سبحانه وتعالى - لهم عبثاً - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - لكن بدا أن إرسال الله تعالى لهم لم يكن عبثاً بعد وضوح الأدلة على ذلك من العقل والنقل قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [غافر: ٥٠].
*وهذا هو رأى الجمهورمن العلماء - كما ذهب إليه الآلوسي وهو رأي أبي منصور الماتريدي ومال إليه الطبري فقال: "وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ يقول تعالى ذكره: وما كنا مهلكى قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم.
- كما حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتاده قوله: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدًا حتى يسبق إليه من الله خبر أو يأتيه من الله بينة وليس معذبا أحداً إلا بذنبه"ا. هـ(١)
وقال القرطبي: " وقد استدل قوم في أن أهل الجزائر إذا سمعوا بالإسلام وآمنوا فلا تكليف عليهم فيما مضى وهذا صحيح، ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل والله أعلم" (٢).

(١) انظر تفسير الطبري (٨/٥٠)، وانظر تفسير ابن كثير (٣/٢٩).
(٢) تفسيرالقرطبي (١٠ /٢٠٢).


الصفحة التالية
Icon