وعليه فإن لفظ الآية ﴿ نَافِلَةً لَكَ ﴾ أي زائدة لك بعدكونها واجبةً عليك ويكون حديث (ثلاث هنّ عليّ فريضة...) على فرض ثبوته ذاكراً للوضع الأول قبل النسخ فعليه فلا تعارض.
- قال البغوي: " وكانت صلاة الليل فريضة علي النبي - ﷺ - في الابتداء وعلى الأمة لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ ثم نزل التخفيف فصار الوجوب منسوخاً في حق الأمة بالصلوات الخمس وبقي الاستحباب قال الله تعالى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ وبقي الوجوب في حق النبي - ﷺ -..... وذهب قوم إلي أن الوجوب صار منسوخاً في حقه كما في حق الأمة فصارت نافلة وهو قول مجاهد وقتادة: لأن الله تعالى قال: ﴿ نَافِلَةً لَكَ ﴾ ولم يقل: عليك، فإن قيل: فما معني التخصيص وهي زيادة في حق كافة المسلمين كما في حقه - ﷺ - ؟
قيل: التخصيص من حيث إن نوافل العبادكفارة لذنوبهم والنبي - ﷺ - قد غفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت نوافله لا تعمل في كفارة الذنوب فتبقى له زيادة في رفع الدرجات"ا. هـ(١)
وقال الجصّاص(٢): " وقوله: ﴿ نَافِلَةً لَكَ ﴾ قال مجاهد: وإنما كانت نافلة للنبي - ﷺ - لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فكانت طاعاته نافلة أي زيادة في الثواب ولغيره كفارة لذنوبه وقال قتادة: نافلة: أي تطوعاً وفضيلة ". ا. هـ (٣)

(١) تفسير البغوي (٥/١١٥).
(٢) هو: أحمد بن علي الرازي الجصَّاص، أبو بكر، الفقيه، إمام أصحاب الرأي في وقته، تفقه على أبي الحسن الكرخي، وإليه انتهت الرياسة في الفقه الحنفي، له تصانيف مشهورة منها (أحكام القرآن) توفي سنة (٣٧٠هـ).
... انظر ترجمته: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ٤/٣١٤. وطبقات الحنفية لابن أبي الوفاء: ص ٨٤.
(٣) أحكام القرآن للجصّاص (٧ /٣٥٤).


الصفحة التالية
Icon