لا شك أن التضرع والدعاء خفية وسرًا أفضل لما ذُكر(١)، ولكن جهر الرسول - ﷺ - كان بحضرة أصحابه، لما قيل بأن الجهر بالدعاء لا يجوز انفرادًا(٢)، فالحديثان اللذان ذُكِرَا في (الصحيحين) عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما يدلان على جواز الجهر بالدعاء بحضرة آخرين.
* الخلاصة والترجيح:
أقول أنه لا ريب في كون السر أفضل من الجهر للتضرع والخفية، والشريعة مقررة أن السر فيما لم يعترض من أعمال البر أعظم أجرًا من الجهر. وكذا لا ريب في كون الجهر المفرط ممنوعًا لحديث: (أربعوا على أنفسكم)، وأما الجهر الغير المفرط فالأحاديث متظافرة، والآثار متوافقة على جوازه، ولم نجد دليلاً يدلّ صراحة على حرمة أو كراهة بل نص المحّدثون والشافعية وغيرهم على جوازه، فقصد بحديث (أربعوا) الجهر المفرط لا الجهر مطلقًا، كما أنه لا تثبت الحرمة بخبر الآحاد الذي هو من الأدلة الظنية(٣).
وبالجملة: لا كلام في وقوع الجهر في المحالِّ المخصوصة، والمواضع المعنية.
وبذلك يظهر لي وبالله التوفيق أن السر أفضل في التضرع والدعاء؛ لما ذكرناه من أسباب وأدلة، وما دلت عليه الآيات القرآنية والحديث الصحيح، والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في هذا الشأن، وهذا ما رجحناه لقوة أدلته، وهذا لا يعني عدم الأخذ بالجهر ولكن الجهر يؤخذ به في حالتي الجهر الغير المفرط، والجهر الجماعي، وذلك لما سبق من أدلة.
وبهذا يزول إيهام التعارض والله تعالى أعلم...
*... *... *
مسألة: إرث الأنبياء
سورة مريم (الموضع الثاني)

(١) سبق تخريجه.
(٢) انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر (ص٦٤).
(٣) انظر: سباحة الفكر في الجهر بالذكر (ص٦٨).


الصفحة التالية
Icon