قال ابن حزم: " وهذا - يعنى الوجه المذكور- من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص - وأغمضه وأصعبه " إلى أن قال: "فمن ذلك قول الله تعالى:
﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ٠٠٠ ﴾ وقال عليه السلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم منها)، ففي الآية عموم الناس وإيجاب عمل خاص عليهم وهو السفر إلى مكان واحد نفسه بعينه من سائر الأماكن وهو مكة - أعزها الله- فاضبط هذا.
وفي الحديث المذكور تخصيص بعض الناس وهم النساء ونهيهن عن عمل عام وهو السفر جملة - لم يخص بذلك مكان دون مكان.
فاختلف الناس في كيفية استعمال هذين النصين
* فقالت طوائف منهم: معنى ذلك: ولله على الناس حج البيت حاشا النساء اللواتي لا أزواج لهن ولا ذا محرم - فليس عليهن سفر إذا سافرت إليه سفراً قدره كذا فاستثنوا كما ترى النساء من الناس.
* وقالت طوائف أخرى: معنى ذلك: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم إلا أن يكون سفراً أمرت به كالحج أو ندبت إليه - كالنظر في مالها - أو أُلزمته كالتغريب فإنها تسافر إليه دون زوج ودون ذي محرم - فاستثنوا كما ترى الأسفار الواجبة والمندوب إليها من جملة الأسفار المباحة وأبقوا على كل سفر مباح غير واجب ولا مندوب إليه على عموم التحريم على النساء إلا مع زوج أو ذي محرم".
ثم قال: "لم يكن بيد كل من الطائفتين اللتين ذكرنا إلا وصفها ترتيب مذهبها في استعمال النصين المذكورين فليس أحدهما أولى من الثاني فلابد من طلب الدليل عل صحة أحد الاستثناءين.