أنه حتى لو صح أنه عليه السلام كان في بنيان فليس في ذلك الحديث إلا الاستدبار وحده - فبأي شيء استحلوا استقبال القبلة بالغائط ولا نص عندهم فيه وليس إذاً نسخ أو خص بعض ما ذكر في الحديث وجب أن ينسخ أو يترك سائره فإن قالوا: بل يترك سائره كانوا متحكمين في الدين ومسقطين لشرائع الله تعالى بلا دليل.
ثم قال: ووجه العمل في هذين الحديثين هو الأخذ بالزائد وقد كان الأصل بلا شك أن يجلس كل أحد لحاجته كما يشاء، فحديث ابن عمر موافق لما كان عليه الناس قبل ورود النهى ثم صار ذلك النهى رافعاً لتلك الإباحة بيقين ولا يقين عندنا أنسخ شيء من ذلك النهى أم لا؟ فحرام أن نترك يقيناً لشك وأن نخالف حقيقة لظنّ وليس لأحد أن
يقول: إن حديث ابن عمر متأخر وإلا كان لغيره أن يقول: إن حديث النهى هو المتأخر لأنه قد رواه سلمان وإسلامه في سنة الخندق وأبو هريرة وإسلامه بعد انقضاء فتح خيبر إلا أن النهى شريعة واردة رافعة لما كان عليه الناس من إباحة ذلك ". ا. هـ (١).
- كل ذلك يفهم منه تشديد النكير على أصحاب الأهواء الذين يقدمون على تلقفهم النصوص دون وعى لجميعها ودون معرفة لوحدة الموضوع في القرآن والسنة بغير رجوع إلى قواعد أصول الدين وقواعد اللغة العربية التي نزل بها القرآن ونطق بها رسول الله - ﷺ - بهذا كله يبطل أن يكون في شيء من النصوص تعارض أصلاً وإذا بطل التعارض فقد بطل الحكم الذي يوجبه قبل الجمع بين النصين المتعارضين إذ كل شيء بطل سببه فبطلان المسبب عنه وارد بطريق الأولى والله أعلم
- قال صاحب "البرهان":
"إذا تعارض ظاهران أحدهما من الكتاب والآخر من السنة فقد اختلف أرباب الأصول فقال بعضهم: يقدّم كتابُ الله تعالى.
وقال آخرون: تقدم السنة، وقال آخرون: هما متعارضان.