ويحتمل أنه سأله الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله وانقضى عمره لا أنه سأل ذلك منجزاً كما يقول الداعي لغيره أماتك الله على الإسلام ويقول الداعي اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
ويحتمل أنه سال ذلك منجزاً وكان ذلك سائغاً في ملتهم(١).
*... *... *
المطلب العاشر: اختلاف جهة الفصل
وبيانه أن تأتى َآيةٌ أو أكثر من القرآن الكريم تبين فعلا وفاعلا في قضية ما - ثم يأتي حديث نبوي يذكر في نفس الموضوع لكن بفعل وفاعل آخرين فيحصل بهذا إيهام تعارض.
من ذلك قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ﴾ [الزمر: ٤٢].
مع حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ - :(أُرسلَ ملك ُالموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال: فرد ّالله عينه وقال ارجع فقل له يضع يده على متن ثور - فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال: أي ربّ ثم ماذا؟ قال ثم الموت قال فالآن. قال: فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر) (٢).
فقد يتوهم الناظر إلى الآية والحديث أن بينهما تعارضاً وليس كذلك فاختلاف جهة الفعل بينهما هو السبب في ذلك الإيهام الحاصل وبيانه: أن الآية أسند فيها التوفي إلى الله تعالى لأنه هو الفاعل حقيقة - وفي الحديث أسند التوفي إلى ملك الموت لأنه هو المأمور بذلك - أي بقبض الأرواح - فأسند الفعل إليه على سبيل المباشرة لذلك - بل قد نجد آية ثانية تخبرنا أن الملائكة هم الذين يقبضون أرواح العباد قال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ ﴾ [الأعراف: ٣٧].

(١) تفسير ابن كثير (٢ /٤٩٣).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب: من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها (رقم ١٣٣٩)، ومسلم في كتاب الفضائل باب: من فضائل موسى - ﷺ - (٤ /١٨٤٢، رقم ٢٣٧٢).


الصفحة التالية
Icon