ولا علاقة لنوعي المدركات هذا بوسائل المعيشة أو الوسائل المدنية والمستوى المعاشي للإنسان فإن الإدراك العقلي الصحيح المبني على نور الوحي الإلهي يكون في أرقى المجتمعات المتمدنة. ويمكن أن يكون في نفس الوقت في مجتمع آخر لا يملك من وسائل المدنية إلا أقلها.
كما أن الجاهلية المنحرفة عن هدى الله سبحانه وتعالى -ونقصد بالجاهلية الحالة النفسية التي ينحرف فيها الإنسان عن المنهج الرباني، كما عرفها محمد قطب في جاهلية القرن العشرين- تكون لدى سكان الغابات وبطون الأودية وشواهق الجبال وتظهر في صور شتى من صور الشعائر التعبدية عندهم في عبادة الطواطم والحجر والشجر وظواهر الطبيعة من رعد وبرق وشمس وقمر. تكون موجودة في نفس الوقت عند سكان ناطحات السحاب ورواد الفضاء، ومكتشفي الذرة والعقول الإلكترونية، وتظهر أيضًا في صور شتى من مظاهر العبودية، من تقديس للمال والإنتاج والعلم والطبيعة والحزب والحرية والعقول المتحررة التي تشرع فتحل وتحرم، وكلها مظاهر جاهلية مبنية على الهوى.
فلا علاقة بين الهداية والحالة المادية للإنسان، كما لا علاقة بين الجاهلية والمستوى المعاشي للفرد والجماعة.