أسباب النزول وما كان يرافق أحوال الوحي مما لم يدركه الآخرون، كل ذلك أوجد ملكة ذهنية وعلمية لم تتوافر لغيرهم.
يقول مسروق: "جالست أصحاب محمد ﷺ فوجدتهم كالإخاذ -الغدير- فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم"١.
﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد: ١٧].
وفي الرواية التي أخرجها أبو الشيخ وابن مردويه والحاكم في صحيحه عن ابن عباس ما يدل أن بعض الصحابة كان يفهم بعض الآيات على غير وجهها الصحيح فيقع في محظور. يقول ابن عباس: إن الشراب كانوا يضربون على عهد رسول الله ﷺ بالأيدي والنعال والعصي، حين توفي رسول الله ﷺ فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدًا فتوفي ما كانوا يضربون في عهد رسول الله ﷺ فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي ثم كان عمر من بعدهم فجلدهم كذلك أربعين، حتى أُتي برجل من المهاجرين الأولين قد شرب فأمر به أن يجلد، فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله، قال: وفي أي كتاب الله تجد أن لا أجلدك؟ قال: فإن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا﴾ فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا. شهدت مع رسول الله ﷺ بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه؟ فقال ابن عباس: هؤلاء الآيات نزلت عذرًا للماضين وحجة على الباقين، عذرًا للماضين لأنهم لقوا الله قبل أن حرم عليهم الخمر، وحجة على الباقين لأن الله يقول: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ﴾ حتى بلغ الآية الآخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، فإن الله نهى أن يشرب الخمر، فقال عمر: فماذا ترون؟ فقال علي بن أبي طالب: نرى أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى، وعلى المفتري ثمانون جلدة فأمر عمر فجلد ثمانين٢.

١ التفسير والمفسرون للذهبي: ١/ ٣٠.
٢ انظر الدر المنثور للسيوطي: ٣/ ١٦٢.


الصفحة التالية
Icon