نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: ٣٤] ".
- ومن هذا القبيل ما كان يلجأ إليه الصحابة رضوان الله عليهم من الجمع بين الآيات القرآنية التي يظن بها بعضهم التعارض، كما روى البخاري قال: وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف علي، قال: ﴿فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ﴾، ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾، ﴿وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾، ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ فقد كتموا في هذه الآية، وقال تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا، رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا، وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا، وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فذكر خلق السماء قبل الأرض، ثم قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ إلى قوله: ﴿طَائِعِين﴾ فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء. وخلق الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله تعالى: ﴿دَحَاهَا﴾ ١.
وقد وضع العلماء بعد ذلك قاعدة في أصول التفسير بضرورة العودة إلى القرآن الكريم نفسه لمعرفة تفسير آية ما، فما أجمل في مكان فصل في مكان آخر، وما أطلق في سورة مقيد في سورة أخرى. يقول ابن تيمية: "إن أصح الطرق في ذلك -أي في تفسير القرآن- أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر"٢.
ومن أبرز تلك الأمثلة قوله تعالى في سورة النحل: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ١١٨]، فقد أفادت الآية الكريمة أن ما حرم على اليهود قد قصه الله سبحانه وتعالى على نبيه، وبالرجوع إلى الآية التي ورد فيها ذكر

١ صحيح البخاري، كتاب التفسير: ٦/ ٣٦.
٢ مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية بتحقيق عدنان زرزور: ٩٣.


الصفحة التالية
Icon