﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾ [الكهف: ١٠٥] ١.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه" ٢. إن من قصر همه على دنياه وجعلها أكبر همه ومبلغ علمه فقد خسر الحياة الحقيقية:
﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤].
هذه جملة من الحقائق التي وردت في الافتتاحية وفي الخاتمة٣ فمن التزم بها عقيدة ومنهج حياة كانت له نورًا يكشف له الطريق وميزانًا يفرق به بين الحق والباطل، ولعل هذا يكشف لنا جانبًا من سر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال" وفي رواية: "من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال" والحكمة في ربط أول السورة بآخرها. أن من أدرك حقيقة الدنيا وزينتها، وأدرك المنهج الصحيح في تلقي المعرفة وعلم أن الباقيات الصالحات هي خير ثوابًا وخير أملًا من أدرك كل ذلك لم تفتنه الدنيا -بإذن الله- ولم يضره حطامها الزائل ويعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
٢ رواه الترمذي في الزهد: ٣/ ٣٨٤، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه في الزهد: ٢/ ١٣٧٧.
٣ من الملاحظ أنه لم تذكر تسلية رسول الله ﷺ في الخاتمة بينما ذكرت في الافتتاحية في قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾. والحكمة في ذلك -والله أعلم- لأن القضية انتهت وعرفت المصائر واستقر كل في مآله ومصيره، فلا داعي للتسلية وإعطاء جرعات من الصبر، فلا مجال للانتظار والتربص وقد انتهى كل شيء.