ويحاولون تبريره بأي حجة كانت، مهما كانت واهية متناقضة مع مداركهم وقناعاتهم الذاتية، والسبب الدافع لهم إلى كل ذلك هو اختلال موازين القيم عندهم، فقد أعماهم الجاه وحب المال أن ينظروا إلى القيم إلا من خلالها، وهذه القيم الزائفة هي التي حملتهم على طلب إبعاد فقراء المسلمين وضعفائهم من مجلس رسول الله ﷺ لكيلا يراهم الناس يجالسون الأرقاء المستضعفين فيعيروهم بذلك.
إن مثل هؤلاء في طمس نور الفطرة في نفوسهم، واستيلاء سكرة المال والجاه على بصائرهم كمثل صاحب الجنتين الذي أعماه الغرور بالمال والجاه وكثرة النشب والأولاد فكفر بربه الذي خلقه من تراب ثم من نطفة ثم سواه رجلًا.
فالقصة وثيقة الصلة بموقف قريش الذين أرسلوا إلى اليهود في المدينة ليسألوهم عن شأن محمد ودعوته، ولو كانوا ذوي حكمة وتعقل وفطر سليمة لما تصرفوا مثل هذا التصرف الكاشف عن سفاهة وحقد، فعندهم من أمارات صدق محمد ﷺ في سيرته وإطلاعهم على رجاحة عقله، وطهارة ذيله واستقامة سلوكه ونبل أخلاقه وعظيم أمانته ما يغنيهم عن الترحال والاستفسار.
بالإضافة إلى ملكتهم البيانية في إدراك فصاحة الكلم وبلاغته فهم أمراء البيان ومنهم خطباء المحافل وشعراء المواسم، فبإمكانهم أن يدركوا حقيقة القرآن وأنه ليس من قول البشر.
- أما قصة موسى والخضر عليهما السلام، فلها صلة وثيقة بالهدف أيضًا، فهو توبيخ وتأنيب لليهود الذين يشكلون الطرف الثاني في اختبار صدق محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد لقنت اليهود وفد قريش أسئلة تاريخية وعلمية لاختبار صدق محمد ﷺ فيما جاء من دعوة الحق.
والأسئلة التعجيزية لا تكون الوسيلة المثلى دائمًا للتعرف على الحقيقة. كان الأليق باليهود -وهم أهل الكتاب الأول، ولديهم من الهدايات والوحي المنزل- أن يتدبروا حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بعد سؤال الوفد عن دقائق حياته وشأنه -كما فعل


الصفحة التالية
Icon