هذه أقوال المؤيدين للبحث عن وجه المناسبة بين الآيات في السورة الواحدة وبين السور المتعددة، إلا أن هذا الاتجاه لم يكن مسلمًا به عند جميع العلماء ووجد من يقول إن هذا البحث تكلف محض تأباه طبيعة نزول القرآن، منجمًا، ولم ينقل شيء من ذلك عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين.
ولعل أقدم من رفع صوته مستنكرًا لهذا الأمر سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام المتوفى سنة ٦٦٠هـ.
ونقل السيوطي في الإتقان قوله: "إن ربط آيات القرآن على ترتيب نزوله تكلف لا يليق، إذ إنه يشترط في حسن الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك، يصان عن مثله حسن الحديث فضلًا عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض"١.
كما نقل عن الإمام أبي حيان صاحب البحر المحيط كلامًا شبيهًا بكلام العز بن عبد السلام وقد ذكر الإمام الشوكاني في تفسيره فتح القدير٢، حجج المنكرين لهذا اللون من الربط بين الآيات وأيدهم بحجج وضرب أمثلة، ولعل أوسع مقال في ذلك ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الله الغزنوي٣، وهو يرد على القائلين بوجود المناسبات. وننقل فيما يلي كلامه بتمامه لأنه يمثل وجهه نظر الرافضين:
يقول الشيخ: اعلم أن كثيرًا من المفسرين جاءوا بعلم متكلف وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، استغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة. بل
٢ انظر: فتح القدير: ١/ ٧٢ وما بعدها.
٣ الشيخ محمد بن عبد الله الغزنوي المتوفى سنة ١٢٩٦هـ، له تعليقات على تفسير "جامع البيان في تفسير القرآن" للشيخ معين الدين محمد بن عبد الرحمن الحسني الحسيني الإيجي الشافعي المتوفى سنة ٨٩٤هـ.