قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال: وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والاعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لان ماضيه أيقن، والاصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضى، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولايصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالاضافة، وأولاء لا تصح إضافته لانه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أى أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.
[١٤]
فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء "، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟.
قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لان منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.
قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ماذكرنا في عليهم في الفاتحة.
قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ الثانى، والثانى خبره خبر الاول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الاعراب، والمفلحون خبر أولئك، والاصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ماذكرناه في يؤمنون.


الصفحة التالية
Icon